وروى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من نسي صلاة فلم يذكرها الا وهو مع الامام فليصل مع الامام وليجعلها تطوعا ثم ليقض ما تذكر ليعد ما كان صلاة مع الامام وهذا عين مذهبنا انه تفسد الفرضية للصلاة إذا تذكر الفائتة فيها ويلزمه الإعادة بخلاف حال ضيق الوقت وكثرة الفوائت والنسيان لأنا إنما عرفنا كون هذا الوقت وقتا للوقتية بنص الكتاب والسنة المتواترة والاجماع وعرفنا كونه وقتا للفائتة بخبر الواحد والعمل بخبر الواحد إنما يجب على وجه لا يؤدى إلى ابطال العمل بالدليل المقطوع به والاشتغال بالفائتة عند ضيق الوقت ابطال العمل به لأنه تفويت للوقتية عن الوقت وكذا عند كثرة الفوائت لان الفوائت إذا كثرت تستغرق الوقت فتفوت الوقتية عن وقتها ولان الشرع إنما جعل الوقت وقنا للفائتة لتدارك ما فات فلا يصير وقتا لها على وجه يؤدى إلى تفويت صلاة أخرى وهي الوقتية ولان جعل الشرع وقت التذكر وقتا للفائتة على الاطلاق ينصرف إلى وقت ليس بمشغول لان المشغول لا يشغل كما أنصرف إلى وقت لا تكره الصلاة فيه (وأما) النسيان فلان خبر الواحد جعل وقت التذكر وقتا للفائتة ولا تذكر ههنا فلم يصير الوقت وقتا للفائتة فبقي وقتا للوقتية فاما ههنا فقد وجد التذكر فكان الوقت للفائتة بخبر الواحد وليس في هذا ابطال العمل بالدليل المقطوع به بل هو جمع بين الدلائل إذ لا يفوته شئ من الصلوات عن وقتها وليس فيه أيضا شغل ما هو مشغول وهذا لأنه لو أخر الوقتية وقضى الفائتة تبين أن وقت الوقتية ما تصل به الأداء وأن ما قبل ذلك لم يكن وقتا لها بل كان وقتا للفائتة بخبر الواحد فلا يؤدى إلى ابطال العمل بالدليل المقطوع به فاما عند ضيق الوقت وان لم يتصل به أداء الوقتية لا يتبين أنه ما كان وقتا له حتى تصير الصلاة فائتة وتبقى دينا عليه وعلى هذا الخلاف الترتيب في الفوائت أنه كما يجب مراعاة الترتيب بين الوقتية والفائتة عندنا يجب مراعاته بين الفوائت إذا أنت الفوائت في حد القلة عندنا أيضا لان قلة الفوائت لم تمنع وجوب الترتيب في الأداء فكذا في القضاء والأصل فيه ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما شغل عن أربع صلوات يوم الخندق قضاهن بعد هوى من الليل على الترتيب ثم قال صلوا كما رأيتموني أصلى ويبنى على هذا إذا ترك الظهر والعصر من يومين مختلفين ولا يدرى أيتهما أولى فإنه يتحرى لأنه اشتبه عليه أمر لا سبيل إلى الوصول إليه بيقين وهو الترتيب فيصار إلى التحري لأنه عند انعدام الأدلة قام مقام الدليل الشرعي كما إذا اشتبهت عليه القلة فان مال قلبه إلى شئ عمل به لأنه جعل كالثابت بالدليل وان لم يستقر قلبه على شئ وأراد الاخذ بالثقة يصليهما ثم يعيد ما صلى أولا أيتهما كانت الا أن البداءة بالظهر أولى لأنها أسبق وجوبا في الأصل فيصلى الظهر ثم العصر ثم الظهر لان الظهر لو كانت هي التي فاتت أولا فقد وقعت موقعها وجازت وكانت الظهر التي أداها بعد العصر ثانية نافلة له ولو كانت العصر هي المتروكة أولا كانت الظهر التي أداها قبل العصر نافلة فإذا أدى العصر بعدها فقد وقعت موضعها وجازت ثم إذا أدى الظهر بعدها وقعت موقعها وجازت فيعمل كذلك ليخرج عما عليه بيقين وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا نأمره لا بالتحري كذا ذكره أبو الليث ولم يذكر أنه إذا استقر قلبه على شئ كيف يصنع عندهما وذكر الشيخ الامام صدر الدين أبو المعين انه يصلى كل صلاة مرة واحدة وقيل لا خلاف في هذه المسألة على التحقيق لأنه ذكر الاستحباب على قول أبي حنيفة وهما ما بينا الاستحباب وذكر عدم وجوب الإعادة على قولهما وأبو حنيفة ما أوجب الإعادة وجه قولهما أن الواجب في موضع الشك والاشتباه هو التحري والعمل به لا الاخذ باليقين ألا ترى أن من شك في جهة القبلة يعمل بالتحري ولا يأخذ باليقين بأن يصلى صلاة واحدة أربع مرات إلى أربع جهات وكذا من شك في صلاة واحدة فلم يدرأ ثلاثا صلى أم أربعا يتحرى ولا يبنى على اليقين وهو الأقل كذا هذا ولأنه لو صلى احدى الصلاتين مرتين فإنما يصلى مراعاة للترتيب والترتيب في هذه الحالة ساقط لأنه حين بدأ بإحداهما لم يعلم يقينا أن عليه صلاة أخرى قبل هذه لتصير هذه مؤداة قبل وقتها فسقط عنه الترتيب (ولأبي) حنيفة أنه مهما أمكن الاخذ باليقين كان أولى الا إذا تضمن فإذا كما في مسألة القبلة فان الاخذ بالثقة ثمة يؤدى إلى الفساد
(١٣٢)