وحكما أن القيام يفوت عند الجلوس فصار الجلوس بدلا عنه والبدل عند العجز عن الأصل أو تعذر تحصيله يقوم مقام الأصل ولهذا جوزنا اقتداء الغاسل بالماسح لقيام المسح مقام الغسل في حق تطهير الرجلين عند تعذر الغسل لكونه بدلا عنه فكان القعود من الامام بمنزلة القيام لو كان قادرا عليه فجعلت تحريمة الامام في حق الامام منعقدة للقيام لانعقادها لما هو بدل القيام فصح بناء قيام المقتدى على تلك التحريمة بخلاف اقتداء القارئ بالأمي لان هناك لم يوجد ما هو بدل القراءة بل سقطت أصلا فلم تنعقد تحريمة الامام للقراءة فلا يجوز بناء القراءة عليه اما ههنا لم يسقط القيام أصلا بل أقيم بدله مقامه ألا ترى انه لو اضطجع وهو قادر على القعود لا يجوز ولو كان القيام يسقط أصلا من غير بدل وذا ليس وقت وجوب القعود بنفسه كان ينبغي انه لو صلى مضطجعا يجوز وحيث لم يجز دل انه إنما لا يجوز لسقوط القيام إلى بدله وجعل بدله كأنه عين القيام وبخلاف اقتداء الراكع الساجد بالمومئ لما مر أن الايماء ليس عين الركوع والسجود بل هو تحصيل بعض الركوع والسجود الا أنه ليس فيه كمال الركوع والسجود فلم تنعقد تحريمة الامام للفائت وهو الكمال فلم يمكن بناء كمال الركوع والسجود على تلك التحريمة وقد خرج الجواب عما ذكر من المعنى وما روى من الحديث كان في الابتداء فإنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم سقط عن فرص فجحش جنبه فلم يخرج أياما ودخل عليه أصحابه فوجدوه يصلى قاعدا فافتتحوا الصلاة خلفه قياما فلما رآهم على ذلك قال استنان بالفارس والروم وأمرهم بالقعود ثم نهاهم عن ذلك فقال لا يؤمن أحد بعدي جالسا ألا ترى انه تكلم في الصلاة فقال استنان بفارس والروم وأمرهم بالقعود فدل ان ذلك كان في الابتداء حين كان التكلم في الصلاة مباحا وما روينا آخر صلاة صلاها فانتسخ قوله السابق بفعله المتأخر وعلى هذا يخرج اقتداء المفترض بالمتنفل انه لا يجوز عندنا خلافا للشافعي ويجوز اقتداء المتنفل بالمفترض عند عامة العلماء خلافا لمالك (احتج) الشافعي بما روى جابر بن عبد الله ان معاذا كان يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يرجع فيصليها بقومه في بنى سلمة ومعاذ كان متنفلا وكان يصلى خلفه المفترضون ولان كل واحد منهم يصلى صلاة نفسه لا صلاة صاحبه لاستحالة أن يفعل العبد فعل غيره فيجوز فعل كل واحد منهما سواء وافق فعل أمامه أو خالفه ولهذا جاز اقتداء المتنفل بالمفترض (ولنا) ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس صلاة الخوف وجعل الناس طائفتين وصلى بكل طائفة شطر الصلاة لينال كل فريق فضيلة الصلاة خلفه ولو جاز اقتداء المفترض بالمتنفل لأتم الصلاة بالطائفة الأولى ثم نوى النفل وصلى بالطائفة الثانية لينال كل طائفة فضيلة الصلاة خلفه من غير الحاجة إلى المشي وافعال كثيرة ليست من الصلاة ولان تحريمة الامام ما انعقدت لصلاة الفرض والفرضية وان لم تكن صفة زائدة على ذات الفعل فليست راجعة إلى الذات أيضا بل هي من الأوصاف الإضافية على ما عرف في موضعه فلم يصح البناء من المقتدى بخلاف اقتداء المتنفل بالمفترض لان النفلية ليست من باب الصفة بل هي عدم إذا لنفل عبارة عن أصل لا وصف له فكانت تحريمة الامام منعقدة لما يبنى عليه المقتدى وزيادة فصح البناء وقد خرج الجواب عن معناه فان كل واحد منهما يصلى صلاة نفسه لأنا نقول نعم لكن إحداهما بناء على الأخرى وتعذر تحقيق معنى البناء وما روى من الحديث فليس فيه ان معاذا كان يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم الفرض فيحتمل أنه كان ينوى النفل ثم يصلى بقومه الفرض ولهذا قال له صلى الله عليه وسلم لما بلغه طول قراءته اما ان تخفف بهم والا فاجعل صلاتك معنا على أنه يحتمل انه كان في الابتداء حين كان تكرار الفرض مشروعا وينبنى على هذا الخلاف اقتداء البالغين بالصبيان في الفرائض انه لا يجوز عندنا لان الفعل من الصبي لا يقع فرضا فكان اقتداء المفترض بالمتنفل وعند الشافعي يصح (واحتج) بما روى أن عمر بن سلمة كان يصلى بالناس وهو ابن تسع سنين ولا يحمل على صلاة التراويح لأنها لم تكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بجماعة فدل انه كان في الفرائض والجواب ان ذلك كان في ابتداء الاسلام حين لم تكن صلا المقتدى متعلقة بصلاة الامام على ما ذكرنا ثم نسخ واما في التطوعات فقد روى عن محمد بن مقاتل الرازي انه أجاز ذلك في التراويح والأصح ان
(١٤٣)