كان هذا الرجل لم يأت مكة أجزأه لان عنده أن البيت والمقام واحد وإن كان قد أتى مكة لا يجوز لأنه عرف ان المقام غير البيت (ومنها) التحريمة وهي تكبيرة الافتتاح وانها شرط صحة الشروع في الصلاة عند عامة العلماء وقال ابن علية وأبو بكر الأصم انها ليست بشرط ويصح الشروع في الصلاة بمجرد النية من غير تكبير فزعما ان الصلاة أفعال وليست باذكار حتى أنكرا افتراض القراءة في الصلاة على ما ذكرنا فيما تقدم (ولنا) قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ويستقبل القبلة ويقول الله أكبر نفى قبول الصلاة بدون التكبير فدل على كونه شرطا لكن إنما يؤخذ هذا الشرط على القادر دون العاجز فلذلك جازت صلاة الأخرس ولان الافعال أكثر من الأذكار فالقادر على الافعال يكون قادرا على الأكثر وللأكثر حكم الكل فكأنه قدر على الأذكار تقديرا ثم لابد من بيان صفة الذكر الذي يصير به شارعا في الصلاة وقد اختلف فيه فقال أبو حنيفة ومحمد يصح الشروع في الصلاة بكل ذكر هو ثناء خالص لله تعالى يراد به تعظيمه لا غير مثل أن يقول الله أكبر الله الأكبر الله الكبير الله أجل الله أعظم أو يقول الحمد لله أو سبحان الله أو لا إله إلا الله وكذلك كل اسم ذكر مع الصفة نحو أن يقول الرحمن أعظم الرحيم أجل سواء كان يحسن التكبير أو لا يحسن وهو قول إبراهيم النخعي وقال أبو يوسف لا يصير شارعا الا بألفاظ مشتقة من التكبير وهي ثلاثة الله أكبر الله الأكبر الله الكبير الا إذا كان لا يحسن التكبير أو لا يعلم أن الشروع بالتكبير وقال الشافعي لا يصير شارعا الا بلفظين الله أكبر الله الأكبر وقال مالك لا يصير شارعا الا بلفظ واحد وهو الله أكبر واحتج بما روينا من الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ويستقبل القبلة ويقول الله أكبر نفى القبول بدون هذه اللفظة فيجب مراعاة عين ما ورد به النص دون التعليل إذا لتعليل للتعدية لا لابطال حكم النص كما في الاذان ولهذا لا يقام السجود على الخدو الذقن مقام السجود على الجبهة وبهذا يحتج الشافعي الا أنه يقول في الأكبر أتى بالمشروع وزيادة شئ فلم تكن الزيادة مانعة كما إذا قال الله أكبر كبيرا فاما العدول عما ورد الشروع به فغير جائز وأبو يوسف يحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم وتحريمها التكبير والتكبير حاصل بهذه الألفاظ الثلاثة فان أكبر هو الكبير قال الله تعالى وهو أهون عليه أي هين عليه عند بعضهم إذ ليس شئ أهون على الله من شئ بل الأشياء كلها بالنسبة إلى دخولها تحت قدرته كشئ واحد والتكبير مشتق من الكبرياء والكبرياء تنبئ عن العظمة والقدم يقال هذا أكبر القوم أي أعظمهم منزلة وأشرفهم قدر أو يقال هو أكبر من فلان أي أقدم منه فلا يمكن إقامة غيره من الألفاظ مقامه لانعدام المساواة في المعنى الا انا حكمنا بالجواز إذا لم يحسن أولا يعلم أن الصلاة تفتتح بالتكبير للضرورة وأبو حنيفة ومحمد احتجا بقوله تعالى وذكر اسم ربه فصلى والمراد منه ذكر اسم الرب لافتتاح الصلاة لأنه عقب الصلاة الذكر بحرف يوجب التعقيب بلا فصل والذكر الذي تتعقبه الصلاة بلا فصل هو تكبيرة الافتتاح فقد شرع الدخول في الصلاة بمطلق الذكر فلا يجوز التقييد باللفظ المشتق من الكبرياء باخبار الآحاد وبه تبين ان الحكم تعلق بتلك الألفاظ من حيث هي مطلق الذكر لا من حيث هي ذكر بلفظ خاص وان الحديث معلول به لأنا إذا عللنا بما ذكر بقي معمولا به من حيث اشتراط مطلق الذكر ولو لم نعلل احتجنا إلى رده أصلا لمخالفته الكتاب فإذا ترك التعليل هو المؤدى إلى ابطال حكم النص دون التعليل على أن التكبير يذكر ويراد به التعظيم قال تعالى وكبره تكبيرا أي عظمه تعظيما وقال تعالى فلما رأينه أكبرنه أي عظمته وقال تعالى وربك فكبر أي فعظم فكان الحديث وارد بالتعظيم وبأي اسم ذكر فقد عظم الله تعالى وكذا من سبح الله تعالى فقد عظمه ونزهه عما لا يليق به من صفات النقص وسمات الحدث فصار واصفا له بالعظمة والقدم وكذا إذا هلل لأنه إذا وصفه بالتفرد والألوهية فقد وصفه بالعظمة والقدم لاستحالة ثبوت الإلهية دونهما وإنما لم يقم السجود على الخد مقام السجود على الجبهة للتفاوت في التعظيم كما في الشاهد بخلاف الاذان لان المقصود منه هو الاعلام وانه لا يحصل الا بهذه الكلمات المشهورة المتعارفة فيما بين الناس حتى لو حصل الاعلام بغير هذه
(١٣٠)