قول له انه طاهر وطهور بكل حال وهو قول مالك ثم مشايخ بلخ حققوا الخلاف فقالوا الماء المستعمل نجس عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد طاهر غير طهور ومشايخ العراق لم يحققوا الخلاف فقالوا إنه طاهر غير طهور عند أصحابنا حتى روى عن القاضي أبى حازم العراقي انه كان يقول إنا نرجو أن لا تثبت رواية نجاسة الماء المستعمل عن أبي حنيفة وهو اختيار المحققين من مشايخنا بما وراء النهر وجه قول من قال إنه طهور ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الماء طهور لا ينجسه شئ الا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه ولم يوجد التغير بعد الاستعمال ولان هذا ماء طاهر لاقى عضوا طاهرا فلا يصير نجسا كالماء الطاهر إذا غسل به ثوب طاهر والدليل على أنه لاقى محلا طاهرا ان أعضاء المحدث طاهرة حقيقة وحكما اما الحقيقة فلانعدام النجاسة الحقيقية حسا ومشاهدة وأما الحكم فلما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر في بعض سكك المدينة فاستقبله حذيفة بن اليمان فأراد النبي صلى الله عليه وسلم ان يصافحه فامتنع وقال إني جنب يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان المؤمن لا ينجس وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها ناوليني الخمرة فقالت انى حائض فقال ليست حيضتك في يدك ولهذا جاز صلاة حامل المحدث والجنب وحامل النجاسة لا تجوز صلاته وكذلك عرقه طاهر وسؤره طاهر وإذا كانت أعضاء المحدث طاهرة كان الماء الذي لاقاها طاهرا ضرورة لان الطاهر لا يتغير عما كان عليه الا بانتقال شئ من النجاسة إليه ولا نجاسة في المحل على ما مر فلا يتصور الانتقال فبقي طاهرا وبهذا يحتج محمد لاثبات الطهارة الا انه لا يجوز التوضؤ به لأنا تعبدنا باستعمال الماء عند القيام إلى الصلاة شرعا غير معقول التطهير لان تطهير الطاهر محال والشرع ورد باستعمال الماء المطلق وهو الذي لا يقوم به خبث ولا معنى يمنع جواز الصلاة وقد قام بالماء المستعمل أحد هذين المعنيين اما على قول محمد فلانه أقيم به قربة إذا توضأ به لأداء الصلاة لأن الماء إنما يصير مستعملا بقصد التقرب عنده وقد ثبت بالأحاديث ان الوضوء سبب لإزالة الآثام عن المتوضئ للصلاة فينتقل ذلك إلى الماء فيتمكن فيه نوع خبث كالمال الذي تصدق به ولهذا سميت الصدقة غسالة الناس واما على قول زفر فلانه قام به معنى مانع من جواز الصلاة وهو الحدث لأن الماء عنده إنما يصير مستعملا بإزالة الحدث وقد انتقل الحدث من البدن إلى الماء ثم الخبث والحدث وإن كانا من صفات المحل والصفات لا تحتمل الانتقال لكن الحق ذلك بالعين النجسة القائمة بالمحل حكما والأعيان الحقيقية قابلة للانتقال فكذا ما هو ملحق بها شرعا وإذا قام بهذا الماء أحد هذين المعنيين لا يكون في معنى الماء المطلق فيقتصر الحكم عليه على الأصل المعهود ان ما لا يعقل من الأحكام يقتصر على المنصوص عليه ولا يتعدى إلى غيره الا إذا كان في معناه من كل وجه ولم يوجد وجه رواية النجاسة ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من جنابة حرم الاغتسال في الماء القليل لاجماعنا على أن الاغتسال في الماء الكثير ليس بحرام فلولا أن القليل من الماء ينجس بالاغتسال بنجاسة الغسالة لم يكن للنهي معنى لان القاء الطاهر في الطاهر ليس بحرام اما تنجيس الطاهر فحرام فكان هذا نهيا عن تنجيس الماء الطاهر بالاغتسال وذا يقتضى التنجيس به ولا يقال إنه يحتمل انه نهى لما فيه من اخراج الماء من أن يكون مطهرا من غير ضرورة وذلك حرام لأنا نقول الماء القليل إنما يخرج عن كونه مطهرا باختلاط غير المطهر به إذا كان الغير غالبا عليه كماء الورد واللبن ونحو ذلك فاما إذا كان مغلوبا فلا وههنا الماء المستعمل ما يلاقى البدن ولا شك ان ذلك أقل من غير المستعمل فكيف يخرج به من أن يكون مطهرا فاما ملاقاة النجس الطاهر فتوجب تنجيس الطاهر وان لم يغلب على الطاهر لاختلاطه بالطاهر على وجه لا يمكن التمييز بينهما فيحكم بنجاسة الكل فثبت ان النهى لما قلنا ولا يقال إنه يحتمل انه نهى لان أعضاء الجنب لا تخلو عن النجاسة الحقيقية وذا يوجب تنجيس الماء القليل لأنا نقول الحديث مطلق فيجب العمل باطلاقه ولان النهى عن الاغتسال ينصرف إلى الاغتسال المسنون لأنه هو المتعارف فيما بين المسلمين والمسنون منه هو إزالة النجاسة الحقيقية عن البدن قبل الاغتسال على أن النهى عن إزالة النجاسة الحقيقية التي على البدن استفيد بالنهي عن البول فيه
(٦٧)