وأما الكناية فهي: تصدقت وحرمت وأبدت فليست صريحة، لان لفظة الصدقة والتحريم مشتركة ن فإن الصدقة تستعمل في الزكاة والهبات، والتحريم يستعمل في الظهار والايمان، ويكون تحريما على نفسه وعلى غيره، والتأييد يحتمل تأبيد التحريم وتأبيد الوقف، ولم يثبت لهذه الألفاظ عرف الاستعمال، فلا يحصل الوقف بمجردها ككنايات الطلاق فيه. فإن انضم إليها أحد ثلاثة أشياء حصل الوقف بها.
(أحدها) أن ينضم إليها لفظة أخرى تخلصها من الألفاظ الخمسة فيقول:
صدقة محبوسة أو موقوفة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة، أو يقول هذه محرمة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو مؤبدة.
(الثاني) أن يصفها بصفات الوقف فيقول: صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث، لأن هذه القرينة تزيل الاشتراك.
(الثالث) أن ينوى الوقف فيكون على ما نوى، إلا أن النية تجعله وقفا في الباطن دون الظاهر لعدم الاطلاق على ما في الضمائر، فان اعترف بما نواه لزم في الحكم لظهوره. وإن قال: ما أردت الوقف فالقول قوله لأنه أعلم بما نوى، قال في النهاية (ولا يصح الوقف من ناطق لا يحسن الكتابة إلا بلفظ) أما الأخرس فيصح بإشارته. وأما الكاتب فبكتابته مع النية. فلو أنه بنى مسجدا وأذن فيه وصلى فيه، أو مقبرة وأذن في الدفن فيها، فمذهب الشافعي لا يكون ذلك وقفا إلا إذا اقترن باللفظ صريحا أو كناية مقترنة بما يزيل لبسها. وقال أحمد في رواية أبى داود وأبى طالب فيمن دخل بيتا في المسجد وأذن فيه: لم يرجع فيه، وكذلك إذا اتخذ المقابر وأذن للناس فيها فليس له الرجوع. وهذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه.
وذكر ابن قدامة رواية أخرى عن أحمد أنه لا يصير وقفا إلا بالقول، وقد اجتهد ابن قدامة في الجمع بين الروايتين وجعلهما قولا واحدا وهو الاخذ باللفظ، فإذا ثبت هذا فإنه متى صح وقفه فقد زالت يده عنه زوال ملك وانقطع بذلك تصرفه. فإذا قلنا بزوال ملكه عن العين وهو الصحيح من المذهب وبه قال