فإن جاء ووقع في نفسه أنه لم يدع باطلا أن يعطيه ولا أجبره في الحكم إلا ببينة تقوم عليها كما تقوم على الحقوق، فإن ادعاها واحد أو اثنان فسواء لا يجبر على دفعها إليهم إلا ببينة يقيمونها عليه. وقال أيضا: ونفتى الملتقط إذا عرف الرجل العفاص والوكاء والعدد والوزن، ووقع في نفسه أنه صادق أن يعطيه، ولا أجبره عليه إلا ببينة لأنه قد يصيب الصفة بأن يسمع الملتقط يصفها.
قلت: وصورتها في رجل ادعى لقطة في يد واجدها، فان أقام البينة العادلة على ملكها وجب تسليمها، وإن لم يقم بينة لكن وصفها فان أخطأ في صفتها لم يجز دفعها إليه، وإن أصاب في جميع صفاتها من العفاص والوكاء والجنس والنعت والعدد والوزن، فإن لم يقع في نفسه صدقه لم يدفعها إليه، وان وقع في نفسه أنه صادق وأفتياه بدفعها إليه جوازا لا واجبا فان امتنع من الدفع لم يجبر عليه، وبه قال أبو حنيفة.
وقال مالك وأحمد: يجبر على دفعها إليه بالصفة استدلالا بقوله صلى الله عليه وسلم اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة. فان جاء طالبها فادفعها إليه) فلما أخبر بمعرفة العفاص والوكاء دل على أنه كالبينة في الاستحقاق.
وروى سويد بن غفلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فان جاء باغيها فعرفك عفاصها ووكاءها فادفعها إليه) وهذا نص. قالوا: ولان كل إمارة غلب بها في الشرع صدق المدعى جاز أن يوجب قبول قوله كالبينات. قالوا: ولان البينات في الأصول مختلفه، وما تعذر منها في الغائب يخفف كالنساء المنفردات في الولادة وإقامة البينة على اللقطة متعذر لا سيما على الدنانير والدراهم التي لا تضبط أعيانها فجاز أن تكون الصفة التي هي غاية الأحوال الممكنة أن يكون بينة فيها.
ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم، لو أعطى الناس بدعاواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، لكن البينة على المدعى، واليمين على المدعى عليه. فلم يجعل الدعوى حجه، ولا جعل مجرد القول حجه بينة، ولان الصفة للمطلوب من تمام الدعوى، فلم يجز أن تكون بينة للطالب قياسا على الطلب.
قال الشافعي رضي الله عنه محتجا عليهم. أرأيت لو وصفها عشرة أيعطونها،