العوض فهي منفعة معقولة من عين معروفة فهي كالعين المبيعة، ولو كان حكمها خلاف حكم العين لكان في حكم الدين ولم يجز أن يكترى بدين لأنه حينئذ يكون دينا بدين، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدين بالدين، فإذا وقع ما أكرى وجب له جميع الكراء كما إذا دفع ما باع وجب له جميع الثمن إلا أن يشترط أجلا اه.
وجملة القول في عقد الإجارة أن يتضمن تمليك منافع في مقابلة أجرة، فأما المنافع فلا خلاف أنها تملك بالعقد ويستقر الملك بالقبض، وأما الإجارة فلها ثلاثة أحوال.
(أحدها) أن يشترطا حلولها وتكون حالة اتفاقا.
(والثاني) أن يشترطا تأجيلها أو تنجيمها فتكون مؤجلة أو منجمه اجماعا (والثالث) ان يطلقاها فلا يشترطا فيها حلولا ولا تأجيلا، فقد اختلف الفقهاء فيها على ثلاثة مذاهب: فمذهب الشافعي منها أن الأجرة تكون حالة تملك بالعقد وتستحق بالتمكين، وقال أبو حنيفة: لا يتعجل الأجرة بل تكون في مقابلة المنفعة، فكلما مضى من المنفعة جزء ملك ما في مقابلته من الأجرة، وقال مالك: لا يستحق الأجرة الا بمضي جميع المدة استدلالا بقوله تعالى، فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن، فاقتضى أن تكون باستكمال الرضاع يستحق الأجرة ، وبما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) فكان ذلك منه حثا على تعجيلها في أول زمان استحقاقها، وذلك بعد العمل الذي يعرف به، ولان أصول العقود موضوعة على تساوى المتعاقدين فيما يملكانه بالعقد ويكون ملك العوض تاليا لملك المعوض كالبيع إذا ملك على البائع المبيع ملك به الثمن، وإذا سلم المبيع استحق قبض المنافع مؤجلا وجب أن يكون قبض الأجرة مؤجلا، وتحريره قياسا أنه عقد معاوضة فوجب أن يكون استحقاق العوض بعد اقباض المعوض كالبيع، ولان ما استحق من الأعواض على المنافع يلزم أداؤه بعد تسليم المنافع كالجعالة والقراض، ولان من ملك للأجرة يمنع من استحقاقها عليه بالعقد، وقد ثبت أن الدار المؤجرة من الأجرة فدل على أنه لم يكن مالكا للأجرة.