ويدل على ذلك أيضا الحديث الذي رواه الشافعي وغيره عن ابن مسعود " إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع، والمبتاع بالخيار " ولم يفرق بين بقاء السلعة وتلفها. فإن قيل: فقد شرط بقاء السلعة في التحالف في الخبر الآخر، فصار هذا الاطلاق محمولا على ذلك التقييد، كما حملتم إطلاق العتق في كفارة الظهار على تقييد العتق في كفارة القتل، قيل: هذا ليس من المقيد الذي يحمل إطلاق جنسه عليه لان إطلاق خبر ربما يوجب تحالفهما مع بقاء السلعة وتلفها فصار قوله: إذا اختلفا والسلعة قائمة تحالفا مع استواء الحكم في قيامها وتلفها، قيل: يحتمل وجوها:
أحدها: البينة على حكم التحالف مع التلف، لان بقاء السلعة يمكن معه اعتبار قيمتها، فيغلب به قول من كانت دعواه أقرب إليه، ومع التلف لا يمكن فلما سقط اعتبار هذا وأوجب التحالف مع قيام السلعة، كان وجوب التحالف مع تلفها أولى.
والثاني: أنه نص على بقاء السلعة، إسقاطا لاعتبار اليد، بخلاف مالك، حتى إذا تحالفا مع وجوب اليد كان تحالفهما مع زوال السلعة، لان تلفها قد يكون مكملا للعقد - كان قبل القبض - وبقاؤها ليس يبطل العقد معه، فيتحالفان مع بقائها، ولا يتحالفان مع تلفها.
فإن قيل: فلا دلالة لكم في هذا الخبر لأنه جعل القول قول البائع، وأنتم لا تقولون به، قيل قد جعل المشترى بعده بالخيار، ومن جعل القول قول البايع على الاطلاق لم يجعل للمشترى خيارا، وإذا ثبت خيار المشترى بعد يمين البائع فخياره في قبول السلعة بما حلف عليه البائع، أو يحلف بعده، ويفسخ البيع، وكذا نقول في تحالفهما.
وإنما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم البائع بالذكر لأنه المبتدئ باليمين ويدل عليه المسألة من طريق المعنى أنه اختلاف في صفة عقد بيع صحيح فاقتضى أن يوجب التحالف فإذا كانت السلعة قائمة، ولان ما يوجب فسخ العقد يستوي فيه الباقي والتالف كالاستحقاق، ولأنه فسخ لا يفتقر إلى تراضيهما. فإذا صح مع تراد الأعيان صح مع تراد القيم.