فإذا حلف البائع ثم حلف المشترى فلا يكون لهما مناص من التفاسخ ليخرجا من مخارج النزاع. ولكن هل ينفسخ بنفس التحالف أم لا؟ وجهان (أحدهما) أنه ينفسخ بنفس التحالف لأنه ذروة النزاع المفضي إلى الفسخ كما ينفسخ النكاح في اللعان بنفس التحالف، واللعان من العقود التي تفسخ بالتحالف فيقع الفسخ ظاهرا وباطنا، لأنه فسخ لاستدراك الظلامة، ولان الثمن بعد التحالف صار مترددا بين ادعاء كل من المتبايعين مما يسبغ عليه جهالة تخل بالعقد خللا ينقضه، لان الثمن حينئذ يصير مجهلا لا مجهولا، لأنه معلوم عندهما باطنا، ولكن عراه التجهيل باختلافهما عليه إن كان الاختلاف في مقدار الثمن. وكذلك اختلافهما في مقدار المبيع كما سيأتي إن شاء الله تعالى، ولان الثمن عوض عن المبيع فلا يثبت العقد مع جهالة الثمن (والثاني) أنه لا ينفسخ بمجرد التحالف ولكن بفسخه قصدا بعده، وهو المنصوص في الذهب.
قال المزني في المختصر في باب اختلاف المتبايعين: والمعقول إذا تناقضاه والسلعة قائمة تناقضاه وهي فائتة لان الحكم أن يفسخ العقد فقائم وفائت سواء.
ولنا أن العقد لا ينفسخ بنفس الحالف، لان كل واحد منهما يقصد بيمينه إثبات الملك فلم يجز أن تكون موجبة لفسخ الملك لأنهما ضدان فعلى هذا لو فسخه المتبايعان فأيهما فسخ صح اعتبارا بفسخ العيوب التي تكون موقوتة على المتعاقدين دون غيرهما والوجه الثاني: أن الفسخ لا يقع إلا بفسخ الحاكم كالفسخ بالعنة وعيوب الزوجين لأنها عن اجتهاد.
فعلى هذا لو فسخه المتبايعان لم ينفسخ حتى يفسخه عليهما الحاكم بعد تحالفهما عنده، وتخيير كل منهما في قبول قول الآخر، فإن قبل صح البيع قال الشافعي في الام فيما يتعلق باختلاف المتبايعين:
" وإذا تبايع الرجلان عبدا وتفرقا بعد البيع ثم اختلفا، فقال البائع: بعتك على أنى بالخيار ثلاثا. وقال المشترى بعتني ولم تشترط خيارا تحالفا، وكان المشترى بالخيار في فسخ البيع، أو يكون للبائع الخيار وهذا والله أعلم كاختلافهما