قال المصنف رحمه الله:
(فصل) ولا تصح الحوالة من غير رضا المحتال، لأنه نقل حق من ذمة إلى غيرها فلم يجز من غير رضا صاحب الحق، كما لو أراد أن يعطيه بالدين عينا، وهل تصح من غير رضا المحال عليه. ينظر فيه فإن كان على من لا حق له عليه وقلنا إنه تصح الحوالة على من لا حق له عليه لم تجز الا برضاه، وإن كان على من له عليه حق ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبي سعيد الإصطخري واختيار المزني أنه لا تجوز الا برضاه لأنه أحد من تتم به الحوالة فاعتبر رضاه في الحوالة كالمحتال (والثاني) وهو المذهب أنه تجوز، لأنه تفويض قبض فلا يعتبر فيه رضى من عليه، كالتوكيل في قبضه، ويخالف المحتال فإن الحق له فلا ينقل بغير رضاه كالبائع، وههنا الحق عليه فلا يعتبر رضاه كالعبد في البيع (الشرح) الأحكام: اعتبار رضى المحتال، هو مذهبنا ومذهب مالك رضي الله عنه. وقال أحمد وأصحابه وداود وأهل الظاهر: لا يعتبر الرضا. قال الخرقي ومن أحيل بحقه على ملئ فواجب عليه أن يحتال وقال ابن قدامة، قال أحمد في تفسير الملئ " كان الملئ عنده أن يكون مليئا بماله " وقوله وبدنه ونحو هذا، فإذا أحيل على من هذه صفته لزم المحتال والمحال عليه القبول ولم يعتبر رضاهما. وقال أبو حنيفة يعتبر رضاهما، لأنها معاوضة فيقتضى الرضا من المتعاقدين.
(قلت) ودليل أحمد وداود وأهل الظاهر قوله صلى الله عليه وسلم " إذا أحيل على ملئ فليحتل " وهذا أمر، والامر يقتضى الوجوب أما دليلنا فان الحق قد تعلق بذمة المحيل فلا يملك نقله إلى غير ذمته بغير رضا من له الحق، كما لو تعلق بعين فليس له أن ينقله إلى عين أخرى بغير رضا من له الحق. وأما الحديث فمحمول على الاستحباب وأما المحيل فان البغداديين من أصحابنا قالوا يعتبر رضاه لان الحق عليه فلا يتعين عليه جهة قضائه، كما لو كان له دراهم في كيسه فليس لصاحب الحق أن يطالب باجباره على أن يقضيه حقه من كيس معين.