أحدا بشئ سوى ما ذكرناه: وكذلك الخلفاء الراشدون ومن سواهم من الصحابة فمن بعدهم من الصدر الأول بل الصواب للعوام وجماهير المتفقهين والفقهاء الكف عن الخوض في دقائق الكلام مخافة من اختلال يتطرق إلى عقائدهم يصعب عليهم اخراجه بل الصواب لهم الاقتصار على ما ذكرناه من الاكتفاء بالتصديق الجازم: وقد نص على هذه الجملة جماعات من حذاق أصحابنا وغيرهم: وقد بالغ امامنا الشافعي رحمه الله تعالى في تحريم الاشتغال بعلم الكلام أشد مبالغة وأطنب في تحريمه وتغليظ العقوبة لمتعاطيه وتقبيح فعله وتعظيم الاثم فيه فقال لان يلقي الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشئ من الكلام: وألفاظه بهذا المعنى كثيرة مشهورة: وقد صنف الغزالي رحمه الله في آخر أمره كتابه المشهور الذي سماة الجام العوام عن علم الكلام وذكر أن الناس كلهم عوام في هذا الفن من الفقهاء وغيرهم الا الشاذ النادر الذي لا تكاد الأعصار تسمح بواحد منهم والله أعلم * ولو تشكك والعياذ بالله في شئ من أصول العقائد مما لا بد من اعتقاده ولم يزل شكه الا بتعليم دليل من أدلة المتكلمين وجب تعلم ذلك لا زالة الشك وتحصيل ذلك الأصل * (فرع). اختلفوا في آيات الصفات وأخبارها هل يخاض فيها بالتأويل أم لا فقال قائلون تتأول على ما يليق بها وهذا أشهر المذهبين للمتكلمين: وقال آخرون لا تتأول بل يمسك عن الكلام في معناها ويوكل علمها إلى الله تعالى ويعتقد مع ذلك تنزيه الله تعالى وانتفاء صفات الحادث عنه: فيقال مثلا نؤمن بأن الرحمن على العرش استوى ولا نعلم حقيقة معنى ذلك والمراد به مع أنا نعتقد أن الله تعالى (ليس كمثله شئ) وانه منزه عن الحلول وسمات الحدوث وهذه طريقة السلف أو جماهيرهم وهي أسلم إذ لا يطالب الانسان بالخوض في ذلك فإذا اعتقد التنزيه فلا حاجة إلى الخوض في ذلك والمخاطرة فيما لا ضرورة بل لا حاجة إليه فان دعت الحاجة إلى التأويل لرد مبتدع ونحوه تأولوا حينئذ: وعلى هذا يحمل ما جاء عن العلماء في هذا والله أعلم * (فرع). لا يلزم الانسان تعلم كيفية الوضوء والصلاة وشبههما الا بعد وجوب ذلك الشئ فإن كان بحيث لو صبر إلى دخول الوقت لم يتمكن من تمام تعلمها مع الفعل في الوقت فهل يلزمه التعلم قبل الوقت تردد فيه الغزالي والصحيح ما جزم به غيره أنه يلزمه تقديم التعلم كما يلزم السعي إلى الجمعة لمن بعد منزله قبل الوقت ثم إذا كان الواجب على الفور كان تعلم الكيفية على الفور وإن كان على التراخي كالحج فعلى التراخي: ثم الذي يجب من ذلك كله ما يتوقف أداء الواجب عليه غالبا دون ما يطرأ نادرا فان وقع وجب التعلم حينئذ: وفي تعلم أدلة القبلة أوجه أحدها فرض عين والثاني كفاية وأصحهما فرض كفاية إلا أن يريد سفرا فيتعين لعموم حاجة المسافر إلى ذلك * (فرع) أما البيع والنكاح وشبههما مما لا يجب أصله فقال امام الحرمين والغزالي وغيرهما يتعين على من أراده تعلم كيفيته وشرطه وقيل لا يقال يتعين بل يقال يحرم الاقدام عليه الا بعد معرفة شرطه وهذه العبارة أصح: وعبارتهما محمولة عليها: وكذا يقال في صلاة النافلة يحرم التلبس بها على من لم يعرف كيفيتها ولا يقال يجب تعلم كيفيتها *
(٢٥)