وسيأتي بيانه أوضح من هذا في باب الغسل إن شاء الله تعالى حيث ذكره المصنف واحتجوا بحديث أبي هريرة السابق مع أبي حنيفة لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب قالوا والمراد نهيه لئلا يصير مستعملا وفي هذا الاستدلال نظر لان المختار والصواب أن المراد بهذا الحديث النهى عن الاغتسال في الدائم وإن كان كثيرا لئلا يقذره وقد يؤدى تكرار ذلك إلى تغيره * واحتجوا بالقياس على المستعمل في إزالة النجاسة ولكن الفرق ظاهر وأقرب شئ يحتج به ما احتجوا به قال امام الحرمين وهو عمدة المذهب ان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم احتاجوا في مواطن من أسفارهم الكثيرة إلى الماء ولم يجمعوا المستعمل لاستعماله مرة أخرى: فان قيل تركوا الجمع لأنه لا يتجمع منه شئ فالجواب أن هذا لا يسلم وان سلم في الوضوء لم يسلم في الغسل: فان قيل لا يلزم من عدم جمعه منع الطهارة به ولهذا لم يجمعوه للشرب والطبخ والعجن والتبرد ونحوها مع جوازها به بالاتفاق: فالجواب ان ترك جمعه للشرب ونحوه للاستقذار فان النفوس تعافه في العادة وإن كان طاهرا كما استقذر النبي صلى الله عليه وسلم الضب وتركه فقيل أحرام هو قال لا ولكني أعافه وأما الطهارة به ثانية فليس فيها استقذار فتركه يدل على امتناعه * ومما احتجوا به أن السلف اختلفوا فيمن وجد من الماء بعض ما يكفيه لطهارته هل يستعمله ثم يتيمم للباقي أم يتيمم ويتركه ولم يقل أحد يستعمله ثم يجمعه ثم يستعمله في بقية الأعضاء ولو كان مطهرا لقالوه: فان قيل لأنه لا ينجمع منه شئ: فالجواب لا نسلم ذلك بل الحال في ذلك مختلف كما قدمته قريبا: وأما الجواب عن احتجاجهم بالآية فمن وجهين أحدهما لا نسلم ان فعولا يقتضي التكرر مطلقا بل منه ما هو كذلك ومنه غيره وهذا مشهور لأهل العربية: والثاني المراد بطهور المطهر والصالح للتطهير والمعد لذلك: وأما قولهم توضأ النبي صلى الله عليه وسلم فمسح رأسه بفضل ماء كان في يده فهذا الحديث رواه هكذا أبو داود في سننه واسناده عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها: وروى مسلم وأبو داود وغيرهما عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فذكر صفة الوضوء إلى أن قال ومسح برأسه بماء
(١٥٤)