وأما قياسهم على المزال به نجاسة فجوابه من أوجه: أحدها لا نسلم نجاسته إذا لم يتغير وانفصل وقد طهر المحل: الثاني أنا حكمنا بنجاسته لملاقاته محلا نجسا بخلاف المستعمل في الحدث: الثالث انه انتقلت إليه النجاسة: والله أعلم: وأما المسألة الثانية وهي كونه ليس بمطهر فقال به أيضا أبو حنيفة واحمد وهو رواية عن مالك ولم يذكر ابن المنذر عنه غيرها وذهب طوائف إلى أنه مطهر وهو قول الزهري ومالك والأوزاعي في أشهر الروايتين عنهما وأبي ثور وداود قال ابن المنذر وروى عن علي (1) وابن عمر وأبي امامه وعطاء والحسن ومكحول والنخعي انهم قالوا فيمن نسي مسح رأسه فوجد في لحيته بللا يكفيه مسحه بذلك البلل: قال ابن المنذر وهذا يدل على أنهم يرون المستعمل مطهرا قال وبه أقول * واحتج لهؤلاء بقول الله تعالى (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) والفعول لما يتكرر منه الفعل: وبما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ فمسح رأسه بفضل ماء في يده وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم مسح رأسه ببلل لحيته: وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل فنظر لمعة من بدنه لم يصبها الماء فأخذ شعرا من بدنه عليه ماء فأمره على ذلك الموضع: قالوا ولأنه ماء لاقى طاهرا فبقي مطهرا كما لو غسل به ثوب: ولأنه مستعمل فجاز الطهارة به كالمستعمل في تجديد الوضوء: ولان ما أدى به الفرض مرة لا يمتنع أن يؤدى به ثانيا كما يجوز للجماعة أن يتيمموا من موضع واحد وكما يخرج الطعام في الكفارة ثم يشتريه ويخرجه فيها ثانيا وكما يصلى في الثوب الواحد مرارا: قالوا ولأنه لو لم تجز الطهارة بالمستعمل لامتنعت الطهارة لأنه بمجرد حصوله على العضو يصير مستعملا فإذا سال على باقي العضو ينبغي أن لا يرفع الحدث وهذا متروك بالاجماع فدل أن المستعمل مطهر: واحتج أصحابنا بحديث الحكم بن عمر و رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم قال الترمذي حديث حسن وقال البخاري ليس هو بصحيح:
قالوا ووجه الاستدلال أن المراد بفضل طهورها ما سقط عن أعضائها لأنا اتفقنا نحن والمنازعون على أن الباقي في الاناء مطهر فتعين حمله على الساقط وفي صحة هذا الحديث والاستدلال به هنا نظر