والاعتكاف أصل في نفسه في الشرع دون أن يكون له أصل يرد إليه، والاعتكاف على ضربين: واجب وندب. فالواجب ما أوجبه الانسان على نفسه بالنذر أو العهد، والمندوب هو ما يبتدئه من غير إيجاب على نفسه.
فالمندوب لا يجب المضي فيه بعد الدخول والتلبس به بل أي وقت أراد الرجوع فيه جاز له ذلك، ويكون الصوم له بنية الندب دون نية الوجوب لأن عندنا العبادة المندوب إليها لا تجب بالدخول فيها بخلاف ما يذهب إليه أبو حنيفة: ما خلا الحج المندوب فإنه يجب بالدخول فيه وحمل باقي المندوبات عليه قياس ونحن لا نقول به.
وأما الواجب من قسمي الاعتكاف فإنه على ضربين: مقيد نذره بزمان وغير مقيد نذره بزمان. فالمقيد بزمان إذا شرط ناذره العود فيه إن عرض له ما يمنعه منه وعرض ذلك فله العود فيه والرجوع ولا يجب عليه إتمامه ولا قضاؤه ولا كفارة عليه لأن شرطه لم يصادف صفته فما حصل شرط النذر على صفته، فأما إذا لم يشرط فيه العود إن عرض العارض فحينئذ يجب عليه إتمامه ولا يجب عليه استئنافه ولا يجب عليه كفارة، فأما إذا لم يكن اعتكافه ونذره مقيدا بزمان بعينه بل شرط فيه التتابع، فإن شرط على ربه تعالى فله البناء والإتمام دون الاستئناف، وإن لم يشرط وعرض العارض فيجب عليه استئنافه دون البناء عليه ولا يجب عليه كفارة، فإن كان نذره غير متعين بزمان ولا شرط فيه التتابع بل أطلقه من الأمرين معا، فمتى اعتكف أقل من ثلاثة أيام متتابعة فيجب عليه الاستئناف ويراعى ثلاثة ثلاثة ولا كفارة عليه إذا أفطر فيه.
ومتى أراد الانسان أن يعتكف فلا يعتكف أقل من ثلاثة أيام فإنه لا اعتكاف في الشريعة أقل من ذلك وأكثره لا حد له إذا كان الزمان يصح فيه. ومن شرط صحته الصوم سواء كان الصوم واجبا أو مندوبا. فإن كان الاعتكاف واجبا كان الصوم واجبا مثله، وإن كان الاعتكاف مندوبا فالصوم يكون مندوبا.
وقد يلتبس على كثير من أصحابنا هذه المسألة ويذهب إلى أن الصوم في الاعتكاف واجب سواء كان الاعتكاف واجبا أو مندوبا لأجل مسطور ولفظ محتمل يجده في النهاية، فإن شيخنا أبا جعفر الطوسي رحمه الله قال: ولا بد أن يصوم واجبا لأنه لا اعتكاف إلا بصوم، ولما عدد في