حدوث خلاف الخوارج في رجم الزاني المحصن في دلالة الاجماع على ذلك فكذلك حدوث خلاف هؤلاء، وهذا عبد الله بن معاوية مقدوح في عدالته بما هو مشهور من سوء طريقته مطعون في جدوله بما تضمنه من قبيح مناقضته ولو سلم من ذلك كله لكان واحدا لا يجوز في الشرع العمل بروايته.
ويدل أيضا على أصل المسألة قوله تعالى: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج، وهذا نص صريح بأن الأهلة هي الدلالة على أوائل الشهور وأيضا قوله سبحانه: هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب، وهذا أيضا نص ظاهر على أن العلم بعدد السنين والحساب مستفاد من زيادة القمر ونقصانه، ويعارض المخالف بما روي من قوله ع: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين، وقوله تعالى: كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات، لا يدل على ما ظنه المخالف على صحة مذهبه في العمل بالعدد دون الرؤية ولا على أن رمضان لا يكون إلا ثلاثين يوما على ما يزعمه لأنه يفيد أن أيام الصيام معدودة وهذا لا خلاف فيه وإنما الخلاف فيما به يعلم أول هذا المعدود وآخره، وليس في الآية ما يدل عليه على أن المراد بقوله تعالى: معدودات، أنها قليلات كما قال تعالى: وشروه بثمن بخس دراهم معدودة، وقال: حكاية عن الكفار وقالوا: لن تمسنا النار إلا أياما معدودة، والفائدة في ذلك التسهيل لفرض الصيام وأنه سبحانه لم يكلف العباد ما لا يطيقون، وإذا كان ذلك هو المراد لم يكن لهم فيها دلالة على أنه لا يمتنع أن يكون للمعدود حدان لا يتجاوز أكثرهما ولا ينقص عن أقلهما كما نقول في أيام الحيض:
إنها معدودة محصورة وإن كان لأكثرها حد لا يزيد عليه وهو عشرة أيام ولأقلها حد لا ينقص عنه وهو ثلاثة أيام فكذلك أيام شهر رمضان لا يمتنع أن يسمى معدودة، ولها حدان أعلاهما ثلاثون وأدناهما تسعة وعشرون على أن أهل التفسير قد قالوا: أن المراد بهذه الأيام عشر المحرم وأنه تعالى كان كتب صيامها وجعل على من أفطر مع القدرة على الصوم فدية من طعام ثم نسخ ذلك بما فرضه عقيبه بلا فصل من صوم شهر رمضان، وإذا كانت الآية منسوخة بطل التعلق بها على كل حال.