الدالة على عدم جواز البدار، سواء في ذلك " فليطلب " كما في رواية الكليني أو " فليمسك " كما في رواية الشيخ بطريق آخر غير الكليني، فإن وجوب الامساك عن الصلاة إلى ضيق الوقت كما هو مخالف لما دل على جواز البدار، كذلك وجوب الطلب إليه مخالفة له، والجمع العقلائي بينها وبين مخالفاتها هو حملها وحمل ساير ما أمر فيها بالتأخير إلى ضيق الوقت على الاستحباب، فيرتفع التعارض بين جميعها. ومنها رواية السكوني الدالة على أن مقدار الطلب غلوة سهم أو سهمين.
وهذا الجمع أقرب بنظر العرف من الجمع الذي صنع بعض المحققين بحمل رواية السكوني على من أراد الصلاة في مكان مخصوص، كما لو نزل المسافر بعد الظهر منزلا وأراد أن يصلي فيه، وحمل صحيحة زرارة على من ضرب في الأرض فله الضرب في جهة من الجهات ولو في الجهة الموصلة إلى المقصود برجاء تحصيل الماء إلى أن يتضيق الوقت فإن العود إلى المكان الأول ليس واجبا تعبديا، فحيثما طلب الماء في جهة ولو في الجهة المؤدية إلى المقصود بمقدار رمية سهم أو سهمين، فله أن يصلي في المكان الذي انتهى إليه طلبه، لكن يجب عليه الفحص فيما حوله بالنسبة إلى المكان الذي انتهى إليه، فله في هذا المكان كالمكان الأول أن يختار أولا الضرب إلى مقصده، وهكذا إلى أن يتضيق الوقت، فثمرة العود إلى المكان الأول جواز الصلاة ولو مع عدم الضيق بعد الفحص عن ساير الجهات، فتقيد صحيحة زرارة بغير هذا الصورة " انتهى ".
لأن الجمع المذكور مضافا إلى كونه بهذا الوجه الدقيق مخالفا للأنظار العرفية مع أن الميزان في الجمع بين الأخبار هو فهم العرف العام ومقبوليته عندهم، ومضاف إلى إباء العرف من تقييد الصحيحة القائلة بأنه فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم، بأنه كلما أراد الصلاة لا يجب الفحص إلى ضيق الوقت، بل يكفي مقدار سهم أو سهمين، إن الصحيحة محمولة على الاستحباب على أي تقدير. لمعارضتها لروايات جواز البدار الآتية، فلا تعارض رواية السكوني!