للاحتمال الأخير وجه معتد به.
توضيحه: أن الظاهر من الآية الكريمة، أنه مع عدم وجدان الماء يقوم التراب مقامه، لكن مع تبديل الغسل ببعض المسح فقوله: " فتيمموا صعيدا طيبا " أي اقصدوا ونحوا نحوه لتمسح الوجوه والأيدي منه، فلا ينقدح في ذهن العرف منه، إلا أن التمسح من الصعيد على الوجه والأيدي تمام الموضوع وتمام حقيقة التيمم، وأن قصد الصعيد والذهاب إليه إنما هو لأجل التوصل إلى هذا المقصود.
ألا ترى أنه لو قال: اذهب إلى الماء وخذ غرفة منه فاغسل وجهك به، لا ينقدح في الذهن دخالة الذهاب والاغتراف فيه، ويرى العرف والعقلاء أن ذكر الغرفة كذكر التراب لمحض التوصل إلى غسل الوجه المقام أولى به منه، لأن الأمر بالتيمم من الصعيد عقيب الأمر بغسل الوجه والأيدي في الوضوء الذي يطلب فيه صرف غسلهما من غير دخالة للآلة يجعل الذيل ظاهرا، بل كالنص في أن منزلة التراب منزلة الماء، و أن المقصود حصول المسح من الصعيد، محل الغسل بأية آلة حصل، وعدم ذكر الآلة مع كونها في مقام البيان يؤكد ما ذكرناه.
وتشهد به صحيحة زرارة المفسرة لها قال فيها: " فلما أن وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا لأنه قال بوجوهكم ثم وصل بها وأيديكم " فإنها ظاهرة في أن التصرف إنما هو في اثبات المسح موضع الغسل، فكما أن الغسل لا يعتبر فيه آلة خاصة كذلك ما أثبت محله.
فتحصل من ذلك أن الظاهر من الآية أن اللازم فيه هو التمسح من الصعيد على الوجه والأيدي، وهو لا يحصل إلا مع التوصل والتمسح على الصعيد ومنه إليهما، و هو صادق بأية آلة كالغسل بالماء، فإذا علم ذلك لا بد من رفع اليد عنه من دليل صالح، والأدلة الواردة في التيممات البيانية وغيرها تشكل صلاحيتها لذلك، فإن وزانها وزان ما وردت في الوضوءات البيانية مما اشتملت على الأخذ بالغرفة وباليمين، حيث لا يفهم منها إلا صرف الآلية من غير دخالة في تحصيل الغسل.