لأن الإتيان بالعبادات ليس من شؤون سلطنة الشخص ونفوذه بل من قبيل الحضور في مجلس السلطان فالنيابة ليست من قبيل تفويض الأمر بل من قبيل الإطاعة بالوجود التنزيلي، فالفعل الصادر من النائب باعتبار كونه وجودا تنزيليا للمنوب عنه ولو بالتوسع موجب لحصول القرب لدى المولى لا بما ان الفعل فعله، بل بما انه صادر ممن كان نازلا منزلته.
فاتضح مما ذكرنا انه لا إشكال في جريان أصالة الصحة فيما إذا شك في الصحة والفساد بعد إحراز نفس العمل بعنوانه في فعل الوكيل والولي لأنه فعلهما ونفوذه في الموكل باعتبار اذنه وإيكال الأمر إليه وفي المولى عليه باعتبار نحو سلطنة عليه، وكذا الحال في النائب، لأن النيابة وان كان اعتبارها غيرهما لكن لا إشكال في ان الفعل صادر من النائب حقيقة وباعتبار صدوره منه وقيامه مقام المنوب عنه يسقط عنه.
فما ادعى الشيخ من ان فعله لما كان فعلا له يسقط عنه فكأنه قال: لا تجري أصالة الصحة الا في فعل الغير وفعل النائب ليس كذلك (ففيه) ان كون الفعل فعل الغير واضح، ومجرد انه يعد مرتبة من فعل المنوب عنه بالتوسع لا يوجب عدم جريان الأصل فيه مع ان التفكيك بين الحيثيتين كما أفاده رحمه الله كما ترى، فان النيابة ان اقتضت ان يكون الفعل الصادر من النائب فعل المنوب عنه ويكون النائب بما انه نائب غير مستقل في الفاعلية فلا يكون له جهة فاعلية ولا لفعله جهة صدور منه وان اقتضت ان يكون الفعل الصادر من النائب موجبا لسقوطه منه لكونه وجودا تنزيليا له توسعا ويكون فعله بوجه من التوسع فعله فلا وجه لعدم جريان الأصل في فعله.
وبالجملة لا يمكن ان يقال: ان الواقف بالعرفات والمشعر والمطوف بالبيت العتيق والمصلى خلف مقام إبراهيم عليه السلام ليس النائب بل هذه الأفعال المريض المزمن في بلده فلا تجري فيها أصالة الصحة باعتبار انها فعله لا فعل الغير فتفكيك الجهتين مما لا يساعد عليه الاعتبار، بل يكون اعتبار النيابة بما ذكره من صيرورة الفعل بعد قصد النيابة والبدلية قائما بالمنوب عنه لكون الفاعل آلة له مع كونه فعلا من افعال النائب نفسه لا المنوب عنه متنافيين كما لا يخفى.