لو لا ذلك لاختل نظام المعاش والمعاد ولم يقم للمسلمين سوق فضلا عن لزوم العسر والحرج المنفيين في الشريعة إذ ما من أحد إذا التفت إلى أعماله الصادرة منه في الأعصار المتقدمة من عباداته ومعاملاته الا ويشك في كثير منها لأجل الجهل بأحكامها واقترانها بأمور لو كان ملتفتا إليها لكان شاكا فلو لم يحمل عملهم على الصحيح وبنى على الاعتناء بالشك الناشئ من الجهل بالحكم ونظائره لضاق عليهم العيش وهذا الدليل وان كان لبيا يشكل استفادة عموم المدعى عنه الا انه يعلم منه عدم انحصار الحمل على الصحيح بظاهر الحال فلا يجوز رفع اليد عن الاخبار المطلقة بسبب التعليل المستفاد من قوله: «هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك» لأن جعله قرينة على التصرف في ساير الاخبار فرع استفادة العلية المنحصرة منه والمفروض عدم الانحصار هذا مع ان دلالته عليه في حد ذاته لا يخلو عن تأمل فلا ينبغي الاستشكال في جريان القاعدة في جميع موارد الشك (انتهى).
قد اتضح مما ذكرنا النظر فيما أفاد لكن لا بد من رفع شبهته وحسم مادتها فنقول:
ان المكلف قد يعلم حاله حين العمل أي يعلم في زمان الشك انه كان عالما بالحكم والموضوع ويكون شكه متمحضا في انه هل ترك الجزء نسيانا أو سهوا أم لا؟ أو يعلم انه كان جاهلا بهما على النحو الأول من النحوين المتقدمين في صدر المبحث بحيث كان الإتيان بالمأمور به على وجهه من باب السهو والنسيان أو على النحو الثاني منهما بحيث كان الإتيان به على وجهه من باب الصدفة، وقد لا يعلم حاله أصلا بحيث يحتمل ان يكون تركه مستندا إلى السهو والنسيان مع العلم بالموضوع والحكم، ويحتمل ان يكون الإتيان من باب السهو، ويحتمل ان يكون من باب التصادف، ويعلم حال الصور الأخرى من ذكر تلك الصور.
فان بنينا على انصراف أدلة التجاوز إلى الشك في انه ترك سهوا ونسيانا مع العلم بالموضوع والحكم كما هو الحق فحينئذ لو علم المكلف حاله فان كان شكه من قبيل ذلك لا يعتنى به، وان كان من غيره يعتنى به، لكن علم المكلف بالنسبة إلى الأعمال السابقة في غاية الندرة لو لم نقل انه لا يوجد مكلف يعلم حاله تفصيلا وبجميع خصوصيتها فنوع المكلفين لا يعلمون ان تركهم على فرضه كان مستندا إلى السهو أو الجهل بأحد