الفصل في أن وقوع ما يعده الجمهور شرورا في هذا العالم قد تعلقت به الإرادة الأزلية صلاحا لحال الكائنات إذ لا شبهه لاحد من أهل التحقيق حسبما يجئ شرحه في أن نظام العالم على هذا الوجه اشرف النظامات الممكنة وأكملها وأفضلها بحيث لا يتصور فوقه نظام آخر وهذا ثابت محقق عند الكل والحكيم والمتكلم متفقان فيه سواء في ذلك القائل بالقضاء الأزلي أو القائل بالاختيار التجددي والقصد الزائد فان لمن يقول بالاختيار ان يقول لا يمكن ان يوجد العالم أحسن مما هو عليه لأنه لو أمكن ذلك ولم يعلم الصانع المختار انه يمكن ايجاد ما هو أحسن منه فيتناهى علمه المحيط بالكليات والجزئيات وان علم ولم يفعل مع القدرة عليه فهو يناقض جوده الشامل (1) لجميع الموجودات.
وهذا مما ذكره الغزالي في بعض كتبه ونقل عنه الشيخ الكامل محى الدين العربي في الفتوحات المكية واستحسنه وهو كلام برهاني فان الباري جل شانه غير متناهي القوة تام الجود والفيض فكل ما لا يكون له مادة ولا يحتاج إلى استعداد خاص ولا أيضا له مضاد ممانع فهو بمجرد امكانه الذاتي فائض منه تعالى على وجه الابداع ومجموع النظام (2) له مهية واحده كليه وصوره نوعيه وحدانية بلا مادة (3) وكل ما لا مادة له نوعه منحصر في شخصه فلا محاله ليس ذاته مرهونة باستعداد محدود أو زمان موقوت فلا محاله مبدع فلم يمكن أفضل من هذا النظام نوعا ولا شخصا.