الفصل في التنبيه على اثبات الصور المفارقة التي هي مثل الأصنام الحيوانية والنباتية ومدبراتها الكلية من هذا المأخذ اعلم انك إذا تدبرت في مراتب الانسان وترقياته من حدود النفوس النباتية والحيوانية إلى حد النفس النطقية والى تفاوت افراد البشر في أغراضهم حيث إن بعض الناس لا يفعل فعل الشهوة والغضب ولا غرض له في ذلك الا لذه الأكل والشرب والنكاح ولذة الغلبة على العدو والظفر على مجرد الانتقام والتشفي عن الغيظ والحقد من غير أن يلحظ في جميع ذلك مصلحة حكمية وغاية عقلية مع أنه معلوم عند الحكماء بالنظر العقلي والنهج البرهاني ان الغرض الأصلي من العناية الربانية في خلق هذه القوى النباتية والمشاعر الحيوانية ليس مقصورا على مجرد ما انتهت اليه حركاتها (1) وحصلت به أغراضها الجزئية بل لتأديتها إلى اغراض أخرى ارفع من تلك الاغراض وهي بقاء الأنواع وحصول النظام على وجه التمام والانتهاء إلى الخير الأقصى والملكوت الاعلى كما يقصده الانسان الكامل لعلو نفسه الناطقة ثم إذا نظرت إلى أفاعيل الطبائع الجمادية والنباتية وجدتها مؤديه إلى حسن النظام ومصلحة الكل مع عدم شعورها بذلك لكون درجتها أدون من درجه الحيوانات التي ليس قصدها في صدور الأفاعيل منها الا تحصيل ما يلايم شهوتها الجزئية فعلم من هذا النظر الدقيق ان لكل من تلك الطبائع الجسمانية الجسمانية مدبرا آخر فوق طباعها العديمة الشعور بما يترتب على أفاعيلها من مصلحة النظام وفوق النفوس الحيوانية الجزئية التي لا شعور لها الا بما يلائم هوياتها الجزئية ولذاتها المستحيلة الزائلة فهي لا محاله مدبرات عقلية ومحركات قدسية لأغراض علوية ففعل الانسان الكامل بقوة
(١٦٩)