لأجل امر خسيس حيث فعل عالم العقل أولا ثم فعل بتوسطه عالم النفس وخلق من النفس الطبيعة الجسمية وهكذا إلى أن انتهى فعله في الغاية إلى الهيولى التي هي أخس الأشياء حسب ما هو مذهبهم في الترتيب فليجز عندهم ان يصدر عن الخير ما هو شر بالذات والجواب ان هذا غلط نشا اما من الاشتباه بين الغاية الحقيقية والامر الضروري واما من توهم انعكاس الموجبة الكلية كنفسها وليس كذلك فليس يلزم من كون كل غاية متأخر بالذات عن الشئ ذي الغاية ان يكون كل متأخر بالذات عن الشئ غاية له حتى يلزم ان يكون الهيولى المشتركة اشرف من السماويات والسماويات اشرف من العقول الفعالة والغاية بمعنى الذي لأجله الفعل ليست الغاية التي هي نهاية الفعل فإنه يصح ان يقال انتهت سلسله الأمور الدائمة إلى الهيولى المشتركة أو نحوها ويصح ان يقال للأفعال انتهاء ولا يصح بوجه آخر فان الجود الإلهي لا غاية له ومتى قال الحكماء انه تعالى أبدع الأشياء على الترتيب من العقل منتهية إلى الهيولى شبه ما وقع في الكلام الإلهي يدبر الامر من السماء إلى الأرض فليس المراد ان الهيولى وما يجرى مجريها غاية الفيض والجود ولو كان الامر كما توهموه لم يرجع الوجود منعطفا من هذا المنزل الأدنى والأرض السفلى إلى غاية الشرف الأقصى على عكس الترتيب الأول كما قال تعالى ثم اليه يرجعون وقوله كما بدء نا أول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين.
وأكثر من يطول حديث الخير والشر ويستشكل الامر من يظن أن الأمور العظيمة الإلهية من الأفلاك وما فيها انما خلقت لأجل الانسان وان الافعال الإلهية منشاها اراده قصدت بها أشياء وأغراض على نحو إرادتنا وأغراضنا في الافعال الصادرة عنا بالاختيار ولو تأمل هذا الجاهل المحجوب عن شهود العارفين أدنى تأمل لدرى ان الامر لو كان كما توهمه ولم يكن هناك احكام مضبوطة وعلوم حقه الإلهية وضوابط ضرورية أزلا وابدا ما كان أحوال أولياء الله في الدنيا على هذا الوجه من المحن الشديدة وتسلط الأعادي والظلمة وأهل الجور عليهم وما كان أحوال أعداء الله من الفراعنة والدجاجلة على ما وقع من تمكين أديانهم الفاسدة ومعتقداتهم الباطلة وآرائهم الخبيثة وسبيهم و