الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين محمد الشيرازي - ج ٣ - الصفحة ٣٦
ان الأولى مما يبرز من جهة الباطن والغيب إلى جهة الظاهر والشهادة فيدرك بين الخيال أولا ثم بعين الحس تبعا بخلاف الثانية فان الامر فيها على عكس ذلك من حيث إنها تدرك أولا بعين الحس ثم بعين التخيل لوجب ان يختص بمشاهده كتابه الخالق من غلب على باطنه سلطان الآخرة دون غيره من افراد الناس وأهل الحجاب.
قلت لعل حصولها لغيره بحسب التبعية من جهة تأثير نفسه فيهم وسراية حاله منه إليهم لأسباب خفيه لا يطلع على تفاصيلها ولا يبعد ان يكون اهتمام نفوس الحاضرين من جهة استغراقهم في تلك الساعة في التعجب عن حاله والتفكر في ذلك يوجب تعطل حواسهم الظاهرة عن استعمال النفس إياها في المحسوسات الخارجة ورجوعها إلى جانب الباطن ومعدن التخيل وعالم الغيب الفصل في تحقيق قول النبي ص ان للقرآن ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا (1) اعلم أن القرآن كالانسان ينقسم إلى سر وعلن ولكل منهما أيضا ظهر وبطن ولبطنه بطن آخر إلى أن يعلمه الله ولا يعلم تأويله الا الله وقد ورد أيضا في الحديث ان للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعه ابطن وهو كمراتب باطن الانسان من الطبع والنفس والصدر (2) والقلب والعقل والروح والسر والخفي اما ظاهر علته

(1) المطلع في اصطلاح العرفاء هو مقام شهود المتكلم عند تلاوة آياته متجليا بالصفة التي هي مصدر تلك الآية كما قال مولانا الصادق ع لقد تجلى الله لعباده في كلامه و لكن لا يبصرون وكان ذات يوم في الصلاة فخر مغشيا عليه فسئل عن ذلك فقال ما زلت أكرر آية حتى سمعت من قائلها وقد ينقل الحديث هكذا ما من آية الا ولها ظهر وبطن ولكل حرف حد ولكل حد مطلع ولعله قده نقل بالمعنى س قده (2) ولعل الصدر وهو مقام الخيال كما مر زيادة من النساخ والا لكانت المراتب ثمانية وقد يزداد في آخر المراتب الأخفى فليسقط العقل أو الطبع وهو الأنسب هنا لقوله كمراتب باطن الانسان فان الطبع ظاهره.
وبالجملة هذه اصطلاح العرفاء والحكيم يطلق النفس الناطقة على الجميع أو الأكثر وهم استغنوا عن البيان بالعيان كما هو ديدن أكثرهم في أكثر المواضع وقد يبينون بقدر ما يسع المقام وقد نقلنا اصطلاحهم في أول تعاليقنا على السفر الأول س قده.
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»
الفهرست