وكما أن كل استكمال يقع في الطبيعة يلزمه حصول امر وزوال امر دونه كما أن استكمال النطفة بالصورة الحيوانية يلزمه بطلان الصورة النطفية فكذلك استكمال الصور الحيوانية الحسية بصوره أخروية مثالية أو عقلية يلزمه انخلاع هذه الصورة وانتزاع الروح عن هذا الهيكل الطبيعي والحرارة الغريزية التي هي عند المحققين جوهر سماوي بيد ملك من ملائكة الله النازعة للأرواح الناقلة إياها من نشأة إلى نشأة ليست شانها بالذات نفس الإذابة والتحليل وافناء الرطوبات إلى أن يقع الموت والا لم يكن أفاضها سبحانه ولم يسلطها على البدن ولا يرضى سبحانه بموت أحد سيما الانسان الا لأجل حيوه أخرى مستأنفه في عالم المعاد وستعلم ان نفوس الحيوان بل النبات أيضا منتقله إلى ذلك العالم بل فعل تلك الحرارة (1) بالذات تعديل المزاج وتحويل البدن وتحريك مواده بالتسخين إلى مزاج حار يناسب الخفة واللطافة لان يبدل مركب النفس ويسوى له مركبا ذلولا برزخيا مطيعا للراكب غير جموح لعدم تركبه من الأضداد فيميل تارة إلى جانب وأخرى إلى جانب آخر فهذا التبديل في المراكب يهئ النفس للخروج والهجرة إلى الله من هذه الدار فالموت طبيعي بهذا المعنى لا كما قالته الأطباء وغيرهم من الطبيعيين ان ذلك لنفاد الرطوبة ووقوف القوة كما مر ذكره.
فاذن جميع اقسام الموت والفساد وانفساخ الصور ونحو ذلك مما يقع بالطبع لا بالقسر أو الاتفاق سببه ما ذكرناه فاذن لا شر ولا ضير في أن يصير صوره أدون فداء للصورة الأشرف ولا ان يكون نوع انزل وانقص غذاء للنوع الأكمل الاعلى كما يصير العناصر غذاء المركبات وهي غذاء للنبات والحيوان والجميع أغذية للانسان وبذلك يتم له الشرف و الفضل وله الاستعداد والتهيوء للركوب والسفر إلى المحل الأنور ولنرجع إلى نمط آخر من الكلام في شرح أنواع من الخيرات والشرور النسبية المؤدية إلى الخير الأعظم على محاذاة ما في بعض كتب السابقين