الحيوانات انقص وأدون من رتبه النفس الانسانية جعلت خادمه ومسخرة للناطقة وعلى هذا الحكم والقياس لما كان في بعض الحيوانات ما هو أتم خلقه وأكمل صوره جعلت النفوس الناقصة منها خادمه ومسخرة للتامة الكاملة منها وجعلت أجسادها مادة وغذاء الأجساد التامة منها وسببا لبقائها لتبلغ إلى أتم غاياتها وأكمل نهاياتها إذ كان هيولي الاشخاص دائما في السيلان والذوبان.
فقد تبين بما ذكرنا العلة الموجبة في اكل الحيوانات بعضها بعضا واما الحكمة الغائبة فيه فهي ان الباري الحكيم جل ثناؤه لما خلق الأشياء الكونية اما لجر منفعه أو لدفع مضرة عن الحيوانات لم يترك شيئا بلا نفع ولا فائدة فلو لم يجعل جثث الحيوانات غذاء لهذه الأجساد لكانت تلك الجيف باطله بلا فائدة ولا عائده وكان يعرض منها ضرر وهلاك كلى كما ذكر قبل ذلك واما الآلام والأوجاع التي تعرض عند الذبح والقتل والقبض فقد مر ان الحكيم عز شانه لم يجعل ذلك تعذيبا وعقوبة لنفوسها على ذنوب سلفت منها كما ظنه التناسخية بل حثا لنفوسها على حفظ أجسادها من الآفات وعدم تهاونها بالأجساد وتسليمها إلى المهالك إلى اجل معلوم.
فان قلت ما العلة في محبه الحيوانات الحياة وكراهيتها للممات.
قلنا لعلل شتى أحديها ان الحياة تشبه البقاء والممات الفناء والبقاء محبوب والفناء مكروه في طباع الموجودات إذ كان البقاء قرين الوجود والفناء قرين العدم والوجود والعدم متقابلان والباري عز شانه لما كان عله الموجودات وهو باق ابدا صارت الموجودات كلها تحب البقاء وتشتاق اليه لأنه صفه لعلتها والمعلول يحب علته وصفاتها ويشتاق إليها ويتشبه بها فمن اجل هذا قال الحكماء بان الواجب بالذات هو المعشوق الأول (1) المشتاق اليه سائر الخلائق كما ستطلع على بيانه إن شاء الله.