واما الذي يعرض لبعض الحيوانات أو لبعض النبات من الحر المفرط أو البرد المفرط المهلك لها في بعض البقاع وفي بعض الأوقات على سبيل الندرة والشذوذ فليس ذلك بالقصد الأول.
واما الخيرات التي تنسب إلى الأمور الطبيعية من تكون الحيوان والنبات والمعادن والأسباب المعينة لها على النشؤ المبلغ لها إلى أتم حالاتها وأكمل غاياتها فهي كلها برضاء الله وإرادة من الباري القيوم وعناية منه واما الشرور التي هي الفساد والبلاء التي يلحقها بعد الكون فهي عارضه لا بالقصد الأول بل حصولها بالعرض والانجرار والتبعية وذلك لان الكائنات لما لم يمكن ان يبقى اشخاصها في الهيولى دائما في هذا العالم تلطفت الحكمة الإلهية والعناية الربانية إلى بقائها بصورها ومبدء نوعيتها ورب طلسمها الحافظ لديمومة طبيعتها بتعاقب الافراد وتوارد الأمثال على الاتصال وان كانت الاشخاص في الذوبان والسيلان دائما وانما كان ذلك بواجب في الحكمة والعناية لان في القوة والغيب فضائل جمه وخيرات كثيره بلا نهاية.
ولا يمكن خروجها من القوة والخفاء إلى الفعل والظهور دفعه واحده في وقت واحد لان الهيولى الجسمية لا تتسع لقبولها فضائل نوع واحد من الأنواع الطبيعية المندمجة في عقله المدبر له وملكوته الفياض على عينه الثابتة وافراده الا شيئا بعد شئ على سبيل التدريج وممر الأوقات والدهور دائما فكيف فضائل جميع الأنوار الطبيعية وحالاتها وكيفياتها ولوازمها وآثارها المفصلة المتفننة مثلا لو خلق الله تعالى بني آدم كلهم من مضى منهم ومن هو موجود الان ويجئ من بعد إلى يوم القيمة في وقت واحد لم تكن تسعهم الأرض برحبها فكيف حيوانهم ونبات غذائهم وأمتعتهم