ممتنع ولاجل ذلك (1) ان العاشق إذا اتفق له ما كانت غاية متمناه وهو الدنو من معشوقه والحضور في مجلس صحبته معه فإذا حصل له هذا المتمنى يدعى فوق ذلك وهو تمنى الخلوة والمصاحبة معه من غير حضور أحد فإذا سهل ذلك وخلى المجلس عن الاغيار تمنى المعانقة والتقبيل فان تيسر ذلك تمنى الدخول في لحاف واحد والالتزام بجميع الجوارح أكثر ما ينبغي ومع ذلك كله الشوق بحاله وحرقه النفس كما كانت بل ازداد الشوق والاضطراب كما قال قائلهم.
أعانقها والنفس بعد مشوقة * إليها وهل بعد العناق تداني والثم فاهاكى تزول حرارتي * فيزداد ما القى من الهيجان كان فؤادي ليس يشفى غليله * سوى ان يرى الروحان يتحدان والسبب اللمي في ذلك ان المحبوب في الحقيقة ليس هو العظم ولا اللحم ولا شئ من البدن بل ولا يوجد في عالم الأجسام ما تشتاقه النفس وتهواه بل صوره روحانية موجوده في غير هذا العالم الفصل في أن تفاوت المعشوقات لتفاوت الوجودات اعلم أن محبوبات النفوس والطبائع مختلفه ومعشوقاتها متفننة حسب اختلاف مراتبها في الوجود ودرجاتها في العلوم والمعارف وذلك أن كل قوه من القوى لا تستكمل الا بما يجانسها ويشاكلها وكل حاسه من الحواس لا يلتذ الا بمحسوسها المختص بها فالقوة الباصرة لا تشتاق الا إلى الألوان والأضواء لأنها من جنسها وكذا القوة السامعة لا تشتاق الا إلى الأصوات والنعم ولا يستلذ الا ما كان على النسبة الفاضلة وعلى هذا القياس تلتذ الشامة بالروائح والذائقة بالطعوم الملائمة للمزاج واللامسة بالملموسات الملائمة