وما يحتاجون اليه في أيام حياتهم فمن اجل هذا خلقهم الله قرنا بعد قرن وأمه بعد أمه لان الأرض لا تسعهم والهيولي لا تحملهم دفعه واحده فقد تبين بما ذكرنا ان النقص من جهة الهيولى وقابليتها لا من الصانع فان القصور في الفعل كما يكون من الفاعل لضعف قوته أو لقلة معرفته فقد يكون أيضا من عدم الأدوات وفتور الآلات التي لا بد وجودها للصانع في احكام صنعه واتقان فعله أو من عدم المكان أو الزمان والحركات وما شاكلهما وقد يكون من قبل الهيولى مثل عسر قبول الحديد للفتل وتصييره حبلا طويلا كما يفعل الحبال من القنب والصوف وغيرهما فليس العجز من الحداد بل لقصور الحديد وعسر قبوله الفتل ومثل الهواء لا يقبل كتابه الكاتب فيه لسيلان عنصره ومثل النجار لا يمكن ان يعمل سلما يبلغ السماء لعدم الخشب لا لعجز فيه ومثل الرجل الحكيم لا يمكن ان يعلم الطفل لعجز في الطفل لا في الحكيم وكذا عدم اهتداء بعض أشقياء الأمم بدعوة نبيهم إياهم وانذاره لهم كما في قوله تعالى انك لا تهدى من أحببت ليس لقصور الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين ولا لعجزهم عن الهداية والانذار بل لعسر قبول الأنفس الخبيثة ما يقربها إلى الله وملكوته الاعلى فعلى هذا يؤخذ القياس في العجز من الهيولى وعسر قبولها للصور لا لعجز في الصانع الحكيم والمدبر العليم.
والسبب الاخر في ذلك ان هذا الكائنات لما كانت يبتدى كونها من انقص الوجود واضعف القوة مترقيا شيئا فشيئا إلى أتم الحالات وأكمل الغايات بأسباب معينه لها على النشو والنمو ومبلغه بها إلى أكمل غاياتها بعناية من الباري جل شانه سميت تلك الأسباب خيرات وكل سبب عارض يعوقها عن ذلك سمى شرا وهي عارضه لا بالقصد الأول فإنه وإن كان بالقياس إلى هذا الشئ الذي عاقه عن الوصول إلى كماله وغايته شرا لكنه بالقياس إلى شئ آخر يكون من الأسباب المعينة له على البلوغ إلى كماله وتمامه خيرا ولاجل هذا خلق الأول وبالذات لا لأجل ذاك فيكون خيريته بالذات وشريته بالعرض.