الفصل في بيان طريق آخر في سريان معنى العشق في كل الأشياء اعلم أن قدماء الفلاسفة ذكروا وجها آخر لميا عاما في هذا المطلب فقالوا ان جميع الهويات والموجودات كما لم يكن وجودها من ذاتها بل من عللها الفياضة فكذلك كمالاتها مستفادة من تلك العلل ولما لم يكن تلك العلل قاصده لايجاد شئ من معلولاتها ولشئ من كمالاتها ولا التفات للعالي بالنسبة إلى السافل ولا بالنسبة إلى كماله فوجب في الحكمة الإلهية (1) والعناية الربانية وحسن التدبير وجوده النظام ان يكون في كل موجود عشق ليكون بذلك العشق حافظا لما حصل له من الكمالات اللائقة ومشتاقا إلى تحصيلها عند فقدانها فيكون ذلك سببا للنظام الكلى وحسن الترتيب في التدبير الجزئي وهذا العشق الموجود في كل واحد من أعيان الموجودات يجب ان يكون لازما لها غير مفارق عنها إذ لو جازت مفارقته عنها لافتقرت إلى عشق آخر ليكون حافظا للعشق الأول الذي فرض ان به ينحفظ كمال وجودها عند وجوده ومستردا له عند عدمه وذلك العشق ان لم يكن لازما فيحتاج إلى عشق آخر ويتسلسل وإن كان لازما فيصير أحد العشقين معطلا وذلك محال فعلم أن العشق سار في جميع الموجودات واجزائها.
هذا ما قالوه وهو جيد الا ان الذي أشرنا اليه أجود واحكم واللمية فيه أتم فانا قد أشرنا إلى أن الوجود حقيقة واحده في الكل متفاوت بالأتم والأنقص وان المعلول من سنخ حقيقة العلة والعلة تمام المعلول وقد ثبت أيضا ان الوجود خير