فالحر والبرد المؤلمان للحيوان المفسدان للثمار ولأغذية الانسان وسائر الانعام كيفيتان من الكيفيات الفعلية وهما من كمالات الأجسام الطبيعية العنصرية وانما الشر في فقد الصحة والسلامة وزوال الاعتدال من أمزجة النبات والحيوان وكذلك الاخلاق الذميمة كلها كمالات للنفوس السبعية والبهيمية وليست بشرور للقوى الغضبية والشهوية وانما شرية هذه الاخلاق الرذيلة بالقياس إلى النفوس الضعيفة العاجزة عن ضبط قواها عن الافراط والتفريط وعن سوقها إلى مسلك الطاعة للتدبير الأتم الذي ينوط به السعادة الباقية وكذا شرية هذه الأفعال الذميمة كالزنا والظلم بالنسبة إلى السياسة البدنية أو المدنية والظلم انما هو شر بالنسبة إلى المظلوم على الوجه الذي عرفته واما بالنسبة إلى الظالم من حيث هو ظالم فليس بشر الا بكونه ذا قوه نطقية فيتضرر به أزيد مما يتضرر به المظلوم في أكثر الامر وكذلك الآلام والأوجاع والغموم والهموم وغيرها فهي من حيث كونها ادراكات لأمور ومن حيث وجودها أو صدورها من العلل الفاعلة لها خيرات كمالية وانما هي شرور بالقياس إلى متعلقاتها من الاعدام والفقدانات أو المفسدات والمؤلمات.
فإذا تصفحت عن جميع الأشياء الموجودة في هذا العالم المسماة عند الجمهور شرورا لم تجدها في أنفسها شرورا بل هي شرور بالعرض خيرات بالذات كما مر بيانه بالوجه القياسي.
والغرض من ذكر هذه الأمثلة ليس الاستدلال على هذا المطلب من جهة الاستقراء أو التمثيل بل لدفع النقوض بايرادها وليتضح الفرق بين الشر بالذات والشر بالعرض ويزول الاشتباه بين الامرين وينكشف ان الشر في كل ما يعدونه شرا يرجع إلى الامر العدمي والا فالبرهان هو الذي مر بيانه في أول هذا الفصل وربما يدعى البداهة في هذا المطلوب والمذكور من الأمثلة للتنبيه والتذكير.
شك وتحقيق اعلم أن هيهنا اشكالا معضلا لم تنحل عقدته إلى هذا الوقت وهي منحلة