فإذا كان الامر على هذا السبيل فأصول الممكنات في هذا النظام أفلاك دائره وكواكب سائره لأشواق عاليه وعناصر مرتبه على الترتيب وهي متأتية لان يخلق منها ضروب أخرى من المخلوقات وهذا لا يمكن الا بالاستحالات والانقلابات المنبعثة في مواد الكائنات من الحركات الوضعية للسماويات ولا يمكن ان يكون الكائن موقوفا مبنيا على الحركات ثم كان مقتضى جميع الحركات فيه واحدا بل يجب ان يكون مقتضى كل حركة غير مقتضى الأخرى فإذا كان مقتضى الأولى موافقا لطبعه كان مقتضى الثانية مخالفا له وأيضا لا يمكن ان يكون مقتضى حركة الواحدة إذا كان موافقا لطبيعة واحده موافقا لطبائع سائر الأشياء نعم يجب ان يراعى حال الأفضل فالأفضل فاستيلاء الحرارة مثلا بواسطة اضائه الشمس على موضع من الأرض لتحيلها بالتلطيف والتسخير إلى طبيعة أخرى يتكون منها نوع اشرف من الأرض ليس موافقا لطبيعة الأرض بما هي ارض لكن الرحمة الإلهية مقتضيه له على أن الأرض لو كانت ذات شعور لعلم ان خروجها عن هذا الكون وإن كان مكروها لها بحسب ما هي عليه الان لكن تحت هذا الكره والقسر لطف عظيم حيث ينقلب من هذه الصور إلى صوره اشرف وأقرب إلى قبول الحياة والرحمة الإلهية.
وقد أشير إلى هذا المعنى في الكلام الإلهي ائتيا طوعا أو كرها قالتا اتينا طائعين فالاتيان اليه سبحانه كما في الموت ونحوه وإن كان مكروها أولا لتعلق الشئ بنشأته الجزئية لكنه إذا انقلب عنها إلى نشأة أخرى يصير المهروب عنه مطلوبا والمكروه مرغوبا فيه فاذن الموت والفساد ونحوهما من الأمور الضرورية اللازمة للنظام ولهذا وجب ان يكون مثل هذه الأمور المنسوبة إلى الشر موجوده في هذا النظام وما كان يليق في الحكمة ان لا يخلق هذا الخلق الذي يلزمه شر.
على أن التعمق في اسرار الكائنات يعطى الحكم بان كله خير ونظام وهذا الموت الذي يتوحش منه الناس إذا حقق امره يعلم أنه ليس معناه وغايته الا تحويل النفس من نشأة سافله إلى نشأة عاليه وهو يرجع إلى أحد الاستكمالات الطبيعية