الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين محمد الشيرازي - ج ٣ - الصفحة ١٠١
حكمه أخرى لو لم يكن الاحياء تأكل جثث الموتى لبقيت تلك الجثث واجتمع منها على ممر الأيام والدهور حتى كان يمتلئ بها وجه الأرض وقعر البحار ويفسد الهواء من ريحها فيصير تلك سببا للوباء وهلاكا للاحياء فأي حكمه أكثر من هذه إذ جعل الباري سبحانه في اكل الحيوانات بعضها بعضا جر منفعه الاحياء ودفع المضرة عنها كلها وإن كان ينال بعضها الآلام والأوجاع عند الذبح والقتل والقبض وليس قصد القاتل والقابض ادخال الألم والوجع عليها بل جلب المنفعة منها أو دفع المضرة بها واعلم أن الباري الحكيم جل ثنائه لما ابدع الموجودات ورتب المخلوقات قسمها قسمين أحدهما ابداعي والاخر خلقي ورتب الجميع ونظمها كان بترتيبه للكليات الابداعية بان جعل الأشرف عله لوجود الأدون وسببا لبقائه ومتمما له ومبلغا إلى أقصى غاياته وأكمل نهاياته وجعل حكم الجزئيات الخلقية بالعكس منها (1) وذلك أنه رتبها في الوجود من أدون حالاته إلى أشرفها وأكملها وجعل الناقص منها عله للتمام وسببا لبقاء الكامل والأدون خادما للاشراف ومعينا له ومسخرا له.
وبيان ذلك ان النبات الجزئي لما كان أدون رتبه من الحيوان الجزئي وأخس حاله منه جعل جسم النبات غذاء لجسم الحيوان ومادة لبقائه وجعل النفس النباتية في ذلك خادمه (2) للنفس الحيوانية ومسخرة لها وهكذا أيضا لما كانت رتبه نفوس

(1) العكسية في مطلقه العلية لأنها في عالم الامر فاعليه وفي عالم الخلق قابلية وأيضا قواميه س قده (2) فان النفس النباتية لا تزال بقواها تنمى مادة نفسها وتغذيها وتسمنها وتصلح مزاجها وكيفياتها من طعمها ورائحتها وغير ذلك لتغذيها لمادة النفس الحيوانية وكذا النفس الحيوانية بالنسبة إلى النفس الانسانية فان الحيوانية لا تزال بقواها تصلح مادة نفسها بل بقواها الحساسة والمحركة تتفقد وتتجسس الملائمات وتتحرز عن المنافرات ليتقى مادتها كيما تدخل عتبه بابك وحريم جنابك والى هذا أشار العطار طاعت روحانيان از بهر تست * خلد ودوزخ عكس لطف وقهر تست س قده.
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»
الفهرست