وانما لم يقفوا عليها لان نظرهم كان جزئيا وبحثهم عن علل الأشياء مخصوصا ويمتنع ان يعلم أسباب الأشياء الكلية بالأنظار الجزئية لان افعال الباري تعالى انما الغرض منها هو النفع الكلى والصلاح على العموم وإن كان يعرض من ذلك ضرر جزئي ومكاره مخصوصة أحيانا والمثال احكامه في الشريعة الحقه وحدوده فيها وذلك أنه حكم بالقصاص في القتل وقال ولكم في القصاص حيوه يا أولى الألباب وإن كان موتا وألما لمن يقتص منه وكذلك قطع يد السارق فيه نفع عمومي وصلاح كلى وإن كان ألما للسارق وضررا له.
وهكذا خلق الله الشمس والقمر والأمطار لأجل النفع والمصلحة العامة وإن كان قد يعرض لبعض الناس والحيوان والنبات من ذلك ضرر وكذلك أيضا قد ينال لاتباع الأنبياء والأئمة ع شدائد وآلام في اظهار الدين واقامه سنن الشريعة في أوائل الامر لكن لما كان حكمه الباري وغرضه في اظهار الدين واعلان قواعد الشريعة هو النفع العام والمصلحة الكلية للذين يجيئون من بعدهم إلى يوم القيامة ولا يحصى عددهم وعدد ما يلحق بهم من السعادات والخيرات سهل في جنب ذلك ما نال النبي وأئمته وأولاده المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين من أذية المشركين وجهاد الأعداء المخالفين وما لاقوا من الحروب والعداوات وتعب الاسفار ثم ما نال المؤمن من قيام الليل وصيام النهار وأداء الفرائض وما فيها من الجهد على النفوس والتعب على الأبدان نزر قليل في جنب ما أعد الله لهم من نعيم الجنان والحور العين ورضوان الله الأكبر ولما كان الامر يؤول إلى الصلاح الكلى كانت تلك الشدائد من جهته صغيرا جزئيا.
فعلى هذا المثال نقول في وجه الحكمة في اكل بعض الحيوانات بعضا ان قصد الباري جل ثناؤه وغرضه في ألم الحيوانات وما جبل عليه طباعها من الأوجاع والآلام التي يلحق نفوسها عند الآفات العارضة ليس عقوبة لها وعذابا كما ظن أهل التناسخ بل حثا لنفوسها (1) على حفظ أجسادها وصيانه لهياكلها من الآفات العارضة