وثانيتها ما يلحقها من الآلام والأوجاع والفزع والجزع عند مفارقه نفوسها الأبدان وثالثتها ان نفوسها لا تدرى بان لها وجودا خلوا من الأجسام ولك ان تقول لم لا تلهم نفوسها بان لها وجودا خلوا من الأجساد فنقول في الجواب لأن هذه المعاني لا تصح لها معرفتها لأنها لو علمت بها لفارقت أجسادها قبل ان تتم وتكمل فإذا فارقت أجسادها قبل التمام والكمال بقيت فارغة معطلة من دون شغل وعمل ولا معطل في الوجود إذ كل وجود له اثر خاص وليس من الحكمة ابقاء النفوس فارغة بلا تدبير إذ كان مبدء الجميع لم يخل لحظه من تدبير العالم وحفظ الأشياء بل كل يوم هو في شان ولو امسك طرفه عين عن تدبير العالم وابقائه وحفظه لتهافت السماوات وتساقطت الكواكب وانطمست الأكوان وانعدمت النفوس والأبدان.
واعلم أن النفوس التامة الكاملة إذا فارقت الأجساد (1) اما أن تكون مستغرقة في شهود جمال الأزل مستضيئة بأضواء كبرياء الأول منخرطة في سلك ملائكة الله المهيمين متحيرة في عظمه جلال أول الأولين واما أن تكون مشغولة بتأييد النفوس الناقصة المتجسدة ليتخلص تلك من حال النقص وتبلغ إلى حال الكمال ويرتقى هذه المؤيدة أيضا إلى حاله هي أكمل وأشرف حتى تصل إلى الطائفة الأولى السابقين