ولما تحققت ما ذكرناه من أن عدم الفعل قد يكون لعجز الهيولى أو عدم المكان أو الزمان أو الحركات أو ما شاكلها علمت فساد ظن كثير من العوام وأهل الكلام الذين لا يعرفون كيفية العجز من الهيولى ولا يتصورونه فينسبون العجز كله إلى الفاعل الحكيم القادر العليم وذلك لأنهم ربما يتوهمون ذلك على الله تعالى فيقولون انه لا يقدر على كثير من الأشياء ويعجز عنها مثل قولهم انه لا يقدر ان يخرج إبليس عن مملكته ولا يتفطنون مع قطع النظر عن المصالح التي روعيت في خلقه ان العجز في عدم الاخراج انما هو من عدم المملكة التي غير مملكة الله تعالى حتى يتصور اخراجه إليها وليس من عدم القدرة من الخالق ويقولون انه لا يقدر ان يدخل السماوات في جوف ابره ولا يدرون ان العجز من الإبرة (1) وخرمها ويقولون ان الله لا يقدر ان يجمع بين النقيضين ولا يدرون ان العجز منهما فإذا سئلوا عن معنى قوله تعالى والله على كل شئ قدير قالوا هذه الآية مخصصه خلاف ما قال الله تعالى لأنه ذكر على العموم وصرح بايراد لفظ الكل ولم يعلموا ان هذه الممتنعات التي يتصورونها ليست بأشياء خارجه عن أوهامهم وتصوراتهم بل الذهن يتصور بعض المفهومات ويجعله عنوانا للمستحيلات ويحكم عليها باحكام غير بتية بل على سبيل الفرض والتقدير كما في القضايا الحقيقية غير البينة على ما هو مفصل في بعض مواضع هذا الكتاب.
واما الخيرات التي توجد في أنفس الحيوانات العنصرية من المحبة واللذة والألفة والأكل والشرب والوقاع فلا شك انها مستودعه في جبلتها مغروسة في فطرتها بعناية الله تعالى ورضاه بالذات وبالقصد الأول واما ما يلحقها من التنافر والوحشة والمبغضة والجوع والألم والعطش والجرح والأمراض والأوجاع (2) والموت وأشباهها فهي وارده عليها على سبيل الضرورة والانجرار والتبعية واقعه بقدر الله تعالى بالعرض وبالقصد الثاني