لها إذ كانت الأجساد لا تقدر على جر منفعه ودفع مضرة فلو لم يكن ذلك لتهاونت النفوس بالأجساد وخذلتها وأسلمتها إلى المهالك قبل فناء أعمارها وتقارب آجالها ولهلكت كلها دفعه واحده في اسرع مده فلهذه العلة جعلت الآلام والأوجاع للحيوان دون النبات وجعل فيها جبله الدفع اما بالحرب والقتال واما بالهرب والفرار والتحرز لحفظ أنفسها من الآلام العارضة إلى وقت معلوم فإذا جاء اجلها فلا ينفعها الهرب والقتال ولا التحرز بل لا بد من التسليم والانقياد وإن كان ينالها بعض الآلام والأوجاع وإذ قد ذكرنا هذه المقدمة فنقول الان ان الباري تعالى لما خلق أجناسا من الحيوانات الأرضية وعلم بأنه لا يدوم بقاء ها ابدا الآبدين جعل لكل منها عمرا طبيعيا أكثر ما يمكن ثم يجيئه الموت الطبيعي ان شاؤوا وأبى وقد علم الله تعالى بأنه يموت كل يوم منها في البر والبحر والسهل والجبل عدد لا يحصيه الا هو سبحانه فجعل بواجب حكمته (1) جثث جيف موتاها غذاء لاحيائها ومادة لبقائها لئلا يضيع شئ مما خلق بلا نفع وفائدة وكان هذا منفعه للاحياء ولم يكن فيه ضرر على الموتى.
(١٠٠)