القرب والبعد عن الطرفين فإذا الف الحس مرتبه من مراتب الخفاء ثم شاهد ما هو أكثر ظهورا من الأول وظن أن هناك بريقا وشعاعا وليس الامر كذلك بل ذلك بسبب ضعف الحس والدليل عليه ان ظهور بعض اللامعات بالليل المظلم دون النهار لضعف الحس في الظلمة.
فزعم أنها كيفية زائدة ولذلك إذا قوى البصر بنور السراج لم يراها وكذا نسبه لمعان السراج إلى لمعان القمر ونسبه لمعانه إلى نور الشمس من حيث إن لمعان السراج يزول عند ظهور القمر وهو يزول عند ظهور الشمس والسبب فيه ما ذكرنا من ضعف الحس ومن هؤلاء من بالغ حتى قال ضوء الشمس ليس الا الظهور التام للونها وذلك يبهر البصر فحينئذ يخفى لونها لا لخفائه في نفسه كما انا نحس بالليل بلمعان اللوامع ولا نحس بألوانها لكون الحس لضعفه في الليل يبهره ظهور تلك الألوان فلا جرم لا يحس بها.
ثم إذا قوى في النهار بنور الشمس لم يصر مغلوبا لظهور تلك الألوان فلا جرم يحس بها هذا بيان مذهبهم.
أقول لا بد أولا من تحقيق محل الخلاف في أن النور كيفية زائدة على اللون أو نفس الظهور.
فنقول من قال بأنه نفس الظهور فهو لا يخلو اما ان يريد به الظهور أو مجرد هذه النسبة والثاني باطل والا لكان الضوء أمرا عقليا واقعا تحت مقولة المضاف فلم يكن محسوسا أصلا لكن الحس البصري مما ينفعل عن الضوء ويتضرر بالشديد منه حتى يبطل والأمور الذهنية لا يؤثر مثل هذا التأثير فثبت ان الضوء عبارة عما يوجب الظهور فيكون أمرا وجوديا لكن بقي الكلام في أنه عين اللون أو غيره وقد تكلمنا في ذلك في تعاليقنا على ضوابط الاشراقيين عند مقاوماتنا للوجوه التي ذكرت هناك حتى استقر الرأي على أن النور المحسوس بما هو محسوس عبارة عن نحو وجود الجوهر المبصر الحاضر عند النفس في غير هذا العالم واما الذي في الخارج بإزائه فلا يزيد وجوده على وجود