في المكان ليس ككون السواد في المحل فان وجود السواد بعينه هو وجوده في المحل لا امر زائد على وجوده وان لم يكن عين مهيته لكن زيادة الوجود على المهية انما هي بحسب التصور لا بحسب الواقع وهذا بخلاف كون الشئ في المكان فإنه لا بد ان يكون هذا الكون في المكان أمرا زائدا على وجوده في نفسه والا لم يكن صفه زائدة على هذا الجوهر الجسماني ولكان قد بطل وجوده في نفسه عند مفارقه مكانه وحصل له وجود آخر ولصار المعدوم بعينه معادا فليس كون الشئ في المكان كونه في الأعيان فان كونه في الأعيان نفس وجوده ولو كان كونه في المكان وجودا له لكان كونه في الزمان أيضا وجودا له فكان لشئ واحد وجودات كثيرة.
أقول ويمكن ان يقال إن الشئ الجسماني كونه في المكان المطلق أو في الزمان مطلقا وإن كان هو بعينه نحو وجوده الخاص به لا أمرا زائدا عليه الا ان كونه في مكان معين أو زمان معين امر زائد على وجوده في نفسه فذلك الأمر الزائد نسميه الأين أو المتى وكل منهما غير نفس الإضافة لان المراد منه مبدء اضافه المكان أو الزمان.
وقد استدل صاحب المباحث على أن الكون في المكان ليس هو بعينه الكون في الأعيان الذي هو الوجود بوجه آخر وهو ان الوجود وصف مشترك في الموجودات كلها فلو كان حقيقة الوجود في الأعيان هو الكون في المكان لكانت الموجودات كلها كائنة في المكان وحيث لم يكن كذلك علمنا أن كون الشئ في المكان مفهوم مغاير لوجود الشئ في نفسه.
أقول هو منقوض بكل من الموجودات المخصوصة لجريان ما ذكره فيه فيلزم عليه مما ذكره ان يكون كون الجسم ماديا وكون العقل مفارقا وكون الحيوان