والحسية ولأن استعداده شديد فيكفيه منها أدنى سبب كما للصبي فيظن انه يفرح بلا سبب وذلك محال فقد اجتمع لشارب الخمر أمور ثلاثة.
أحدها استكمال جوهر روحه في الكم والكيف.
وثانيها اندفاع الأفكار العقلية عنه التي ربما يكون أسبابا للغم.
وثالثها استعمال تخيله وتفكره في المحسوسات الخارجة التي هي أسباب اللذة فلا جرم يكمل فرحه ويقوى نشاطه.
أقول هذه الأمور المذكورة إذا اطلع عليها ناقص العقل يصير منشئا لاقدامه على فعل الشرب وأما إذا اطلع عليها عاقل يصير بعض هذه الأسباب بل كلها باعثا لاعراضه عنه وان لم يصل إليه حكم الشريعة الإلهية سيما وقد نص على تحريمه وتقبيحه بأبلغ تأكيد فان الانسان مخلوق للنشأة الثانية وكماله العقلي انما يحصل بارتحاله عن هذه النشأة ورجوعه عنها إلى جوار الله وعالم ملكوته وذلك بمطالعة العقليات الدائمات والابتهاج بها دون الحسيات الداثرات والتلذذ بها.
واما الثاني فهو غم السوداوي فلان حاله بالضد من ذلك والأسباب في حقه اضداد لتلك الأسباب فان جوهر روحه قليل المقدار ضعيف الكيفية فينفعل من الأسباب المؤذية والغامة لاستعداده للغم فيكون قوى التخيل مصروفا في الأمور البعيدة المستقبلة لان روحه التي في البطن الأوسط من الدماغ تخفف حركتها بجفافها لما يفيده السوداء من اليبس.
ثم إنه لقوه تخيله تصور الأشباه والمحاكيات للأمور الموحشة والغامة فكأنه يشاهدها قائمه في الخارج واقعه عليه فيكثر غمه وأكثر ما في هذه الفصول انما نقلناها عن المقالة التي جمعها الشيخ في الأدوية القلبية.
وهذه المسائل وان كانت انسب بالطبيعيات إذ كان المنظور إليه فيها ما يعرض الجسم من حيث انفعاله ولكن نظرنا فيها إلى نحو الوجود لأنواع الكيفيات النفسانية وأحوالها وعوارضها وما يطابقها وما يوازيها من أحوال الجسم وعوارضه وهذا