والتشريعات في إقامة العلاقات الإنسانية إلا بمقدار ما يمكنها أن تتوجه إلى العقل والضمير فتقنعهما بالخير، فتخلق الانسجام الرائع بين إتاحة الفرصة للعمل النافع وإرادة العامل في وحدة تكفل للفرد وللجماعة الصعود في طريق الحضارة.
وما يصدق، بهذا الصدد، في نطاق الأفراد والجماعات، يصدق كذلك في تاريخ المفكرين والمشترعين والعلماء والمكتشفين ومن إليهم. فإنك لترى، إذا أنت استعرضت تاريخ هؤلاء الذين خدموا الإنسان والحضارة، أن العقل الذي دلهم على الطريق الصحيح في كل ميدان، لم يكن وحده في تاريخهم. فالعقل بارد، جاف، لا يتعرف إلا إلى الأرقام والأقسام والوجوه ذات الحدود. فهو لذلك يدلك على الطريق ولكنه لا يشدك إلى سلوكه ولا يدفعك في سهله ووعره. أما الدافع، فالضمير السليم والعاطفة الحارة. فما الذي حمل ماركوني على العزلة القاسية والانفراد الموحش الكئيب، إن لم يكن الضمير الذي يحسن له الانصراف عن مباهج الحياة إلى كآبة الوحدة في سبيل الحضارة والانسان؟.
وإن لم يكن العاطفة التي تغمر هذا الضمير السليم بالحرارة والدف ء فلا يفتر أبدا وما يقال في ماركوني يقال في باستور، وغاليليو، وغاندي، وبتهوفن، وبوذا، وأفلاطون، وغيتي، وفي غيرهم من أصحاب المركب الإنساني القريب من الكمال.
والدليل الإيجابي على هذه الحقيقة يستتبع دليلا سلبيا لزيادة الايضاح. فهذا أدولف هتلر، وجانكيزخان، وهولاكو، والحجاج بن يوسف الثقفي، وقيصر بورجيا بطل كتاب (الأمير) المشؤوم لمكيافيللي (1)، وبعض علماء الذرة المعاصرين الذين يوافقون