يوم عن جديد، وتبني كل يوم جديدا، إلا دليل عن الإيمان بثورية الحياة الخيرة وإمكانات الأحياء. فالمعرفة لديه كشف وفتح لا يهدآن.
وهو بهذا الإيمان وهذه الثقة يخاطب أبناء زمانه يقول: (لا تقسروا أولادكم على أخلاقكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم). فلولا تفاؤله العظيم بأن في الحياة جمالا، وبأن في الناس قابلية التطور إلى الخير، لما أطلق هذا القول الذي يوجز علمه بثورية الحياة، ويوجز تفاؤله بإمكانات الإنسان المتطور مع الحياة، كما يوجز روح التربية الصحيحة، ويخلص كل جيل من الناس من أغلال العرف والعادة التي ارتضاها لنفسه جيل سابق.
ولابن أبي طالب في هذا المعنى قول كثير منه هذه الآيات الخالدة التي يمجد بها العمل بوصفه حقيقة وثورة وخيرا 6 (من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) و (قيمة كل امرئ ما يحسنه) و (اعلموا أن الناس أبناء ما يحسنون) و (لكل امرئ ما اكتسب).
ومن أقواله ما يدفع به المرء إلى أن يطلب التقدم بالعمل، وألا يحجم أو يتراجع إذا هو أخفق كثيرا أو قليلا، لأن الوجود الخير لا يحرم أبناءه ما يستحقون. وإذا هو حرمهم فبعض الحرمان لا كله. وقد يسوى الأمر في دفعة ثانية من الطلب بواسطة العمل.
ومن قوله في ذلك هذه الآية: (من طلب شيئا ناله أو بعضه). وأظن أن القارئ فطن إلى روح هذه العبارة التي تتألق وكأنها انبثاق عن كلمة المسيح الشهيرة: (اقرعوا اقرعوا يفتح لكم).
ولعل أجمل ما في المذهب العلوي بهذا الشأن، أن صاحبه كان يوحد ثورية الحياة وخير الوجود نصا كما كان يوحدهما روحا ومعنى. فلشد ما نراه يوحد معنى التطور، أو ثورية الحياة، بمعنى خير الوجود توحيدا لا يجعل هذا شيئا من تلك، ولا تلك شيئا من هذا، بل يجعل ثورية الحياة كلا من خير الوجود، وخير الوجود كلا من ثورية الحياة. وإن في آياته هذه لدليلا كريما على صحة ما نقول فليس فيها ما يحتاج إلى شرح أو تعليق.
وإليك نموذجا عنها: (العاقل من كان يومه خيرا من أمسه) و (من كان