عصفها بالفضاء وترد أوله إلى آخره، وساجيه إلى مائره (1) حتى يعب عبابه).
ومن زينة الأرض وبهجة القلوب هذه النجوم وهذي الكواكب، وضياء الثواقب (2) والسراج المستطير (3) والقمر المنير!
أحس ابن أبي طالب من وراء ذلك جميعا أن هذا الكون القائم بالحق، إنما ترتبط عناصره بعضها ببعض ارتباط تعاون وتساند، وأن لقواه حقوقا افترضت لبعضها على بعض، وأنها متكافئة في كل وجوهها متلازمة بحكم وجودها واستمرارها.
فأدرك في أعماقه أن المقايسة تصح أصلا وفرعا بين هذه العناصر المتعاونة المتكافئة، وبين البشر الذين لا بد لهم أن يكونوا متعاونين متكافئين بحكم وجودهم واستمرارهم، فهم من أشياء هذا الكون يجري عليهم ما يجري على عناصره جميعا من عبقرية التكافل الذي يراه علي فرضا عليهم لا يحيون إلا به ولا يبقون. فإذا به يلف عالم الطبيعة الجامدة وعالم الإنسان بومضة عقل واحدة، وانتفاضة إحساس واحدة، ليستشف عدالة الكون القائم على وحدة من الصدق والثبات والعدل، مطلقا هذا الدستور الذي يشارك به الكون في التعبير عن ضميره، قائلا:
(ثم جعل من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها، ويوجب بعضها بعضا، ولا يستوجب بعضها إلا ببعض!) ومن هذا المعين أيضا قول له عظيم يقرر به أن دوام نعمة من النعم مرهون بما فرض على صاحبها من واجب طبيعي نحو إخوانه البشر، وأن عدم القيام بهذا الواجب كاف وحده لأن يزيلها ويفنيها:
(من كثرت النعم عليه كثرت الحوائج إليه. فمن قام فيها بما يجب عرضها للدوام والبقاء، ومن لم يقم فيها بما يجب عرضها للزوال والفناء.