وأدى الوالي إليها حقها، عز الحق بينهم، واعتدلت معالم العدل وجرت على أذلالها السنن (1) فصلح بذلك الزمان وطمع في بقاء الدولة. وإذا غلبت الرعية واليها أو أجحف الوالي برعيته، اختلفت هنالك الكلمة وظهرت معالم الجور وتركت محاج السنن فعمل بالهوى وعطلت الأحكام وكثرت علل النفوس، فلا يستوحش لعظيم حق عطل (2) ولا لعظيم باطل فعل. فهنالك تذل الأبرار وتعز الأشرار وتعظم تبعات الله عند العباد.
وأوصيك خيرا بهذا الإحكام للروابط العامة الكبرى بين عناصر الدولة على لسان علي، ثم بين الأعمال الخيرة المنتجة وبين ثبوت هذه العناصر على أسس من الحق، أو قل من الصدق والثبوت والعدل: وجوه الحق الثلاثة التي تقوم بها السماوات والأرض.
وأحس علي أن هذا الكون العظيم متعاون متكافل فكان من ذلك أن الريح إذا اشتدت حركت الأغصان تحريكا شديدا، وإذا أجفلت قلعت الأشجار وهاجت لها العناصر، وأنها إذا لانت وجرت فويق الأرض جريا خفيفا سكرت بها صفحات الماء وسكنت تحتها الأشياء وأحس أن الشمس إذا ألقت على الأرض نورها بدت معالم الأرض للعيون والأذهان وإذا خلتها خلت عليها من الظلمة ستارا. وأن النبتة تنمو وتزهو وتورق وقد تثمر، وهي شئ يختلف في شكله وغايته عن أشعة النهار وجسم الهواء وقطرة الماء وتراب الأرض ولكنها لا تنمو ولا تورق إلا بهذه الأشعة وهذا الجسم وهذه القطرة وهذا التراب.
وأحس أن الماء الذي (تلاطم تياره وتراكم زخاره) كما يقول، إنما (حمل على متن الريح العاصفة والزعزع القاصفة. وأن الريح التي (أعصف الله مجراها وأبعد منشأها مأمورة - على بعد هذا المنشأ - (بتصفيق الماء الزخار وإثارة موج البحار تعصف به