وخطب علي جميعا تنضح بدلائل الشخصية حتى لكأن معانيها وتعابيرها هي خوالج نفسه بالذات وأحداث زمانه التي تشتعل في قلبه كما تشتعل النار في موقدها تحت نفخ الشمال. فإذا هو يرتجل الخطبة حسا دافقا وشعورا زاخرا وإخراجا بالغا غاية الجمال.
وكذلك كانت كلمات علي بن أبي طالب المرتجلة. فهي أقوى ما يمكن للكلمة المرتجلة أن تكون من حيث الصدق وعمق الفكرة وفنية التعبير حتى أنها ما نطقت بها شفتاه ذهبت مثلا سائرا.
فمن روائعه المرتجلة قوله لرجل أفرط في مدحه بلسانه وأفرط في اتهامه بنفسه: أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك).
ومن ذلك أنه لما اعتزم أن يقوم وحده لمهمة جليلة تردد فيها أنصاره وتخاذلوا) جاءه هؤلاء وقالوا له وهم يشيرون إلى أعدائه: يا أمير المؤمنين نحن نكفيكهم. فقال من فوره:
(ما تكفونني أنفسكم فكيف تكفونني غيركم؟ إن كانت الرعايا قبلي لتشكو حيف رعاتها، فإنني اليوم لأشكو حيف رعيتي كأنني المقود وهم القادة).
ولما قتل أصحاب معاوية محمدا بن أبي بكر فبلغه خبر مقتله قال: (إن حزننا عليه قدر سرورهم به، ألا إنهم نقصوا بغيضا ونقصنا حبيبا).
وسئل: أيهما أفضل: العدل أم الجود؟ فقال: (العدل يضع الأمور مواضعها، والجود يخرجها من جهتها، والعدل سائس عام، والجود عارض خاص، فالعدل أشرفهما وأفضلهما).
وقال في صفة المؤمن،. مرتجلا:
(المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه، أوسع شئ صدرا وأذل شئ نفسا. يكره الرفعة ويشنأ السمعة، طويل غمه، بعيد همه، كثير صمته، مشغول وقته.
شكور صبور،، سهل الخليقة، لين العريكة.
وسأله جاهل متعنت عن معضلة، فأجابه على الفور: (اسأل تفقها ولا تسأل تعنتا فإن الجاهل المتعلم شبيه بالعالم، وإن العالم المتعسف شبيه بالجاهل المتعنت!)