وكذلك السماء والهواء، والرياح والماء. فانظر إلى الشمس والقمر، والنبات والشجر، والماء والحجر، واختلاف هذا الليل والنهار، وتفجر هذه البحار، وكثرة هذه الجبال، وطول هذه القلال الخ...) ثم استمع إليه يقول: (لا تنالون نعمة إلا بفراق أخرى، ولا يعمر معمر منكم يوما من عمره إلا بهدم آخر من أجله، ولا تجدد له زيادة في أكلة إلا بنفاد ما قبلها من رزقه، ولا يحيا له أثر إلا مات له أثر، ولا يتجدد له جديد إلا بعد أن يخلق له جديد، ولا تقوم له نابتة إلا وتسقط منه محصورة. وقد مضت أصول نحن فروعها!) إنه الوجود الواحد يتكلم عن نفسه، بلسانه.
وفي خاطري هذه المشابهة بين مقطع من معلقة امرئ القيس، ومقاطع كثيرة من أدب ابن أبي طالب، وهي تصب جميعا في معنى الوحدة الوجودية الكاملة. ثم تزيد عن ذلك بانطلاقة فذة إلى قهر الظالم والمعتدي، وإلى نصرة الضعيف في النبت والأرض والبهيمة والأرض الواطئة حتى يستوي الوجود قويا بهيا.
يقول الشاعر الكوني امرؤ القيس أولا ما خلاصته:
لقد قعدت لذلك البرق أرقب من أين يجيء المطر، ويا لروعة ما رأيت. لقد أقبل المطر من جهات أربع سيولا سيولا! رأيته من بعيد فكان يمينه في تقديري على جبل (قطن) ويساره على جبلي (الستار) و (يذبل). وراح الماء ينبجس شديدا هنا وهناك فتقلب سيوله الأشجار قلبا عتيا، ومر على جبل (القنان) برشاشه فأكره الوعول على النزول عنه. بعد ذلك يقول الشاعر: وتيماء لم يترك بها جذع نخلة * ولا أطما إلا مشيدا بجندل كأن ثبيرا في عرانين وبله * كبير أناس في بجاد مزمل كأن ذرى رأس المجيمر غدوة * من السيل والغثاء فلكة مغزل وألقى بصحراء الغبيط بعاعه * نزول اليماني ذي العياب المحمل