وفيه: بعد ذكر قول الترمذي أن حديث ابن عباس في (الجمع) غير معمول به، ولا يخفاك أن الحديث صحيح، وترك الجمهور للعمل به لا يقدح في صحته، ولا يوجب سقوط الاستدلال به، وقد أخذ به بعض أهل العلم كما سلف، وإن كان ظاهر كلام الترمذي أنه لم يأخذ به أحد، ولكن قد أثبت ذلك غيره، والمثبت مقدم (1).
قال النووي في شرح مسلم (في استحباب صوم ستة من شوال): هذا الحديث الصحيح الصريح، وإذا ثبت: " السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها "، (إنتهى من النيل) (2).
وقال النووي في شرح مسلم: وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به بل لهم أقوال، وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر إلى آخره (كما مر) (3).
وقال الحافظ في (الفتح)، قال النووي: ومنهم من تأول أن الجمع (صوري) بأن يكون آخر الظهر إلى آخر وقتها، وعجل العصر في أول وقتها. قال: وهو احتمال ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل.
وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث، فجوزوا الجمع في (الحضر) للحاجة مطلقا لكن بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة، وإرادة نفي الحرج يقدح في حمله على الجمع (الصوري) لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج، ومن قال به (أي بالجمع في الحضر) ابن سيرين، وربيعة، وأشهب، وابن منذر، والقفال الكبير، والخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث.
وعن ابن مسعود (مرفوعا): أخرجه الطبراني، ولفظه جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، فقيل له في ذلك، فقال: صنعت هذا لئلا تحرج أمتي، (إنتهى ملخصا) (4).
وفي عمدة الرعاية حاشية شرح الوقاية لعبد الحي قوله: وفيه خلاف الشافعي فإنه يجوز الجمع في السفر بين الظهر والعصر تقديما وتأخيرا، وبين المغرب والعشاء كذلك لورود أخبار صريحة دالة على أن النبي (ص) فعله في السفر غير مرة (أخرجه الشيخان، وأصحاب السنن، وغيرهم) كما بسطه الحافظ ابن حجر، وهذا هو الحق (5).
وفي الميزان الكبرى للشعراني: ومن ذلك قول الأئمة الثلاثة لجواز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء تقديما وتأخيرا، (ثم قال): وأما الجمع من غير خوف ولا مرض فجوزه ابن سيرين لحاجة ما لم يتخذ ذلك عادة، وكذلك اختار ابن المنذر وجماعة جواز الجمع في الحضر من غير خوف، ولا مرض ولا مطر ما لم يتخذ ديدنا بخلاف ما لا يجوز الجمع فيه إجماعا كجمع الصبح مع العشاء، أو المغرب مع العصر، ونحو ذلك.
وفي النيل: وقد ذهب (إلى أن المشروع أذان واحد، وإقامة لكل صلاة) الشافعي في القديم، وهو مرضي عن أحمد، وابن حزم، وابن الماجشون، وقواه الطحاوي، وإليه ذهب الهادوية (6).