وفيه: قد رواه (أي الجمع) في البحر عن الإمامية، والمتوكل على الله، وأحمد بن سليمان، والمهدي، وأحمد بن الحسين، ورواه ابن مظفر في البيان عن علي (ع)، وزيد بن علي، والهادي، وأحد قولي الناصر، وأحد قولي المنصور بالله. وفي (هدية المهدي والمشرب الوردي من الفقه المحمدي) للفاضل العلامة المولوي وحيد الزمان الحيدر آبادي: يسن للمسافر الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء تقديما أو تأخيرا خلافا للأحناف في منعهم. وعندنا الجمع في السفر كان تقديما أو تأخيرا سنة ثابتة عن رسول الله (ص) وقالت طائفة من أصحابنا بجواز ذلك للمقيم مطلقا. وقيل ما لم يتخذه عادة وخلقا.
قال في (الفتح): وممن قال بجوازه ابن سيرين، وربيعة، وابن المنذر، والقفال الكبير، وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث. وقد حكى ذلك عن الإمامية، وبعض الزيدية، والروايات متواترة في كتبهم عن أئمة أهل البيت بجواز ذلك، وروي عن علي (ع) وصح عن ابن عباس فعله، ورواه مرفوعا، واعتمد على ذلك الشيخان ابن تيمية، وتلميذة ابن القيم، وظاهر كلامه في (الزاد) اشتراط وجود المشقة، والحاجة، وقد فعل ذلك ابن عباس بالبصرة لأجل شغل.
وقول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته هو من المرفوع حكما إذ لا يجوز له الأخبار عن إرادة النبي (ص) إلا بتوقيف عنده (1).
قال في (النيل): وقد أخرج الطبراني في الأوسط، والكبير عن ابن مسعود بلفظ: جمع رسول الله... الخ.
وفيه: وقال (ص) صنعت ذلك لئلا تحرج أمتي، (الحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد).
قلت: ومن ضعفه فلم يصب. وبما ذكرناه يظهر أن الأحاديث لا هي متعارضة، ولا واردة في معنى واحد بل قد ورد فعله (عليه السلام) للجمع الصوري، والجمع الحقيقي في الحصر للحاجة، ولدفع المشقة، فظهر أن الجمع في الحضر للحاجة، ودفع المشقة جائز مطلقا، ولا يلزم من ذلك مخالفة لحديث (جبرئيل) الوارد في تعيين المواقيت ولا مخالفة للآية الكريمة: " أن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ". ومن استدل من (الأحناف) على منع الجمع في الحضر بالآية، والحديث المذكورتين، فقد ضل وأضل إذ لا يخرج الصلاة عن كونه موقوتا بالجمع. وحديث جبرئيل فيه إظهار الأوقات الأصلية المتفردة لكل صلاة وهو ساكت عن مسألة الجمع. وإذا جازت الزيادة بالحديث الصحيح على الكتاب فجوازها على الحديث بحديث آخر من باب أولى.
وأنا أفتيت رجلا مبسورا تخرج منه الريح ساعة فساعة، ويشكل عليه التوضي لكل صلاة أنه يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمعا حقيقيا (جمع تقديم أو تأخير)، والكل واسع، وديننا يسر بحمد الله تعالى، ولكن أهل التقليد حجروا واسعا، وألقوا عباد الله في المشقة والكلفة، ومن أراد الجمع أذن للأولى، وأقام لكل صلاة بعدها (أي مكتوبة) لحديث جابر أن النبي (ص) صلى الصلاتين بعرفة بأذان وإقامتين (الحديث رواه أحمد، ومسلم، والنسائي). وقد ذهب إلى أن المشروع أذان واحد في الجمع، وإقامة لكل واحدة من المجموعتين - الشافعي، (إنتهى