مجملا، ولنفصلها ثانيا.
صفات الخليفة بعد النبي (ص) إعلم أنه لا بد من ذكر علامات معرفة الخليفة لتميز الصادق من الكاذب، فمنها: أنه يستجمع صفات مستخلفة من العصمة والعلم والشجاعة، وغيرها لتكميله كمالاته، ولإتمامه أغراضه إلا النبوة لقوله: " لا نبي بعدي "، وهو في قوله وفعله واجب الطاعة، ولازم الاقتداء للاهتداء، والاستخلاف لا يكون إلا بانتخاب من الله تعالى كما قال عز من قائل " وربك يخلق ما يشاء ويختار وما كان لهم الخيرة " " والله يجتبي إليه من يشاء " " وإني جاعل في الأرض خليفة " " وإنا جعلناك خليفة في الأرض " " ليستخلفهم في الأرض " " وآتاه الله الملك والحكمة "، وليس للإنسان فيه دخل ما، لا في الاستخلاف، ولا في العزل.
نعم يجب أن يكون معصوما وأفضل زمانه مختصا بنص الله ومنتخبا بجعل الله، لا بانتخاب الناقصين، لأن اجتماع الناقصين ناقص، ولا يكون كالعوام مثل الأنعام بل يكون ممتازا من أبناء جنسه فطرة، وماهرا برموز كتابه تعالى، وعالما بكنوز حقائقه ودقائقه بعلم وهبي لا كسبي " وعلمناه من لدنا علما " " وذلك فصل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم "، وهو الذي قال في حقه " أنا مدينة العلم وعلي بابها " و " إنه وصيي ووزيري وخليفتي ومنجز وعدي "، وقال " لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي " قاله لعلي (كذا في كنز العمال) (1)، وأنه " أول من آمن وأول من صدق بي " وكمالاته أظهر من الشمس في رابعة النهار، والقمر ليلة البدر إن لم يحجب التعصب (كما سيأتي إن شاء الله في موازنة الصفات).
ثم بعده ذريته بإظهار وصية من سبق لمن لحق إلى قيام الساعة، فقد ثبت ما ادعيناه من ضرورة الإمام، وخليفة الله في كل زمان عند أهل السنة أيضا، وإنما الفرق بين الفريقين أن أهل السنة لم يشترطوا أن يكون الإمام أعلم وأفضل أهل زمانه بل أجمعوا بصحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل، واستدلوا بصحة خلافة عثمان مع وجود علي (ع)، واختلافهم في فضيلة عثمان على علي (ع) ثابت في كتبهم من الصواعق وغيره.
في شرح العقائد للتفتازاني: وأن لا يكون الإمام أفضل أهل زمانه لأن المساوي له في الفضيلة بل المفضول الأقل علما وعملا ربما كان اعرف بمصالح الإمامة ومفاسدها، ولهذا جعل عمر الإمامة شورى بين ستة مع القطع بأن بعضهم أفضل من بعض (2).
أقول: فإذا استقر عندهم عدم اشتراط الأفضل ثبت عندهم عدم عصمته من الأفعال الذميمة بل الفاسق والفاجر والظالم يصلح أن يكون إماما كما قالوا، ولا ينعزل بالفسق كذا في شرح العقائد، وشرح الفقه الأكبر، وشرح المواقف، واستدلوا بأنه قد ظهر الفسق وانتشر الجور من الأئمة والأمراء واختاروه عند أبي حنيفة، وقال الشافعي: إن الإمام ينعزل بالفسق والجور وكذا كل قاض وأمير (3).