تؤتى معصية. وأخرج الطبراني، وأحمد مسنده عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة.
أقول: قد ظهر من هذه الروايات أن الحرج مدفوع من الشارع، وهذا لا يحصل بعمل رواية صحيحة وجدت من أي راو ثقة طابقت الثقلين، ولو خالفها الرجال. ونحن لم نؤمر بتقليد أحد من الأمة سوى الثقلين (كما في الميزان الكبرى للشعراني): وكان الإمام ابن عبد البر يقول ولم يبلغنا عن أحد من الأئمة أنه أمر أصحابه بالتزام مذهب معين لا يرى صحة خلافه (ثم قال): ولم يبلغنا في حديث صحيح ولا ضعيف أن رسول الله (ص) أمر أحدا من الأمة بالتزام مذهب معين. وقد نقل القرافي الإجماع من الصحابة على من استفتى أبا بكر، وعمر، وقلدهما فله بعد ذلك أن يستفتي غيرهما من الصحابة، ويعمل به من غير نكير. وأجمع العلماء على من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء بغير حجة، ومن ادعى دفع هذين الإجماعين فعليه الدليل (1).
وفي (عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد) لولي الله الدهلوي قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ أمامه، بحيث لا يجد لضعفه مدفعا، وهو مع ذلك يقلده فيه ويترك من شهد الكتاب والسنة، والأقيسة الصحيحة لمذهبهم جمودا على تقليد إمامه، بل يتحيل لدفع ظاهر الكتاب والسنة ويتأولها بالتأويلات البعيدة الباطلة تضالا عن مقلده، (إلى أن قال): وهذا ناء عن الحق، بعيد عن الصواب لا يرضى به أحد من العلماء (2).
وقال بحر العلوم في شرح مسلم الثبوت: ولم يوجب على أحد أن يتمذهب بمذهب رجل من الأئمة، فإيجابه تشريع جديد من عند نفسه (3).
فصل: في كم يقصر الصلاة في البخاري: سمى النبي (ص) السفر يوما وليلة. وفي (الفتح) في رواية أبي ذر: السفر يوم وليلة. (وفي كل منهما تجوز)، والمعنى: سمى مدة اليوم والليل سفرا، وكأنه يشير إلى حديث أبي هريرة المذكور عنده في الباب (أورده البخاري)، (ثم قال): وروى عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: لا تقصر الصلاة إلا في اليوم، ولا تقصر فيما دون اليوم.
ولابن أبي شيبة من وجه آخر صحيح عنه، قال: تقصر في مسيرة يوم وليلة، (ثم قال): وحكى النووي أن أهل الظاهر ذهبوا إلى أن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال، وكأنهم احتجوا في ذلك بما رواه مسلم، وأبو داود من حديث أنس قال: كان رسول الله (ص) إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو فراسخ قصر الصلاة، وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك، وأصرحه. وقد حمله من خالفه على أن المراد به