وقوله سبحانه: {والله الغني وأنتم الفقراء} (1) وقال سبحانه على لسان نبيه الكريم موسى (عليه السلام): {رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير} (2).
فبما أن عالم الكون عالم إمكاني لا يملك من لدن ذاته وجودا ولا كمالا، بل كل ما يملك من وجود وكمال فقد أفيض إليه من جانبه سبحانه فهو بحكم الإمكان موجود مفتقر في عامة شؤونه وتأثيره وعليته.
ونظرا لتوقف تأثير كل ظاهرة كونية على إذنه سبحانه كما جاء في قوله تعالى:
{إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون} (3) فإن الآية بعدما تصف الله سبحانه بأنه خالق السماوات والأرض في ستة أيام وأنه استوى بعد ذلك على العرش، وأنه يدبر أمر الخلق، تعلن بأن كل ما في الكون من العلل الطبيعية والظواهر المادية يؤثر بعضه في البعض بإذنه سبحانه، وأنه ليست هناك علة مستقلة في التأثير، بل كل ما في الكون من العلل، ذاته وتأثيره، قائمان به سبحانه وبإذنه، فالمراد من الشفيع في الآية هو الأسباب والعلل المادية وغيرها، الواقعة في طريق وجود الأشياء وتحققها وإنما سميت العلة شفيعا، لأن تأثيرها يتوقف على إذنه سبحانه، فهي (مشفوعة إلى إذنه سبحانه) تؤثر وتعطي ما تعطي.
وعلى ذلك تخرج الآية عن الدلالة على الشفاعة المصطلحة بين المفسرين وعلماء الكلام، وإنما اخترنا هذا المعنى لوجود قرائن في نفس الآية، فإنها تبحث في صدرها عن خلق السماوات والأرض وتحديد مدة الخلق والإيجاد بستة أيام، ثم